إننا في واقع الأمر، نحب الشيء أو نكرهه، لأسباب لا تمت للشيء المكروه أو المحبوب بصلة؛ إنما مرد ما تشعر به نحوها من صدى إلى العادة والذوق.
لقد كان غاندي العظيم يقول لاتباعه وهو يوصيهم بالمسلمين في الباكستان: ليس كلما تقولون صواباً، وليس كل ما يقول ويعتقد خصمكم باطلاً، هنالك شيء من الباطل فيما تعتقدون وتقولون، وشيء من الصواب فيما يعتقد ويقول خصمكم.
نحن كثيراً ما نرى الأشياء في شكل خاص، لا نلبث أن نراها تختلف عنه إذا تغير الزمان والمكان، واختلفت زاوية النظر، فلقد مات غاليلو حرقاً بسب آرائه حول دوران الأرض على يد محاكم التفتيش وهو يقول: ومع ذلك فإن الأرض تدور.
ليس من عمل الناقد، ولا مهمة النقد أن يفرض رأياً بعينيه أو فكرة بذاتها قد يرى فيها غيره من قرائه أشياء وأشياء! كما ليس من عمل الناقد التحليق بجناح النسور بعيداً عن عالم الحقائق، إلى عالم يموج ويضطرب بالرؤى الحالمة والخيال الجميل!
أترى هل حقيقة أن الجمال مرتبط بالنظام؟ وأننا إذا أوجدنا النظام خلقنا الجمال؟ لست ادري، وإنما يخيل إلى أن أيجاد النظام كثيراً ما يعجز عن خلق الجمال؛ فالطبيعة لسبب واحد؛ ذلك لأنها فوضى شاملة وإسراف في عدم النظام.
والفن سر الطبيعة البكر، لا يبلغ الذروة إلا إذا كان كالطبيعة نفسها. والإنسان الضعيف الذي ما فئ يمد بصره وراء الأسرار الغامضة في صدر الطبيعة، محملقاً فيها، يخدع نفسه دائماً، وهو يدور الحقاق ولا يقوى على مواجهتها، يفتش عن الأسرار والأسرار أمامه محملقة فيه، تمد ألسنتها إليه من بعيد ومن قريب.
وبعد فإن الأستاذ أنور المعداوي. قد أوجد فناً جديداً في النقد يستحق عليه شكر الذين يعشقون الأدب والفن من الناطقين بالضاد؛ فقد قضى على تلك الأساليب الميتة، وراح يقيم على أطلالها صرحاً من الذوق الرفيع، والخيال الجميل، والرأي السديد يعالج بكل ذلك مشاكل ما زلنا نتخبط في دياجيرها، وما زلنا ننظر إليها بعيون الموتى من البائدين، ونفهمها بعقول أهل الأساطير.
وأنا واحد من آلاف المعجبين بالأستاذ العبقري المعداوي، أغتنم هذا الفرصة فأبعث إليه بأطيب ما في قلبي من إكبار وإعجاب بأدبه وفنه وذوقه. . .