للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المصفوع. ومثال ذلك قوله:

يا أبن الآلي رسخت أحلامهم ورست ... إذ الأكف مجانين مها ويس

لا تدخل الحان والصفاع ثائرة ... حتى تقام حواليك المتاريس

وقل لصدغك يستقبل وفودهم=بالباب: انهم قوم مناحيس

وهذا إمعان في السخرية. فأنت ترى الأكف تهوى على خد المويلحي في حالة هوس وحنون وتتوالى مندفعة بغير رؤية ولا تفكير والمصفوع جالس كالطرد الثابت لا يبدى حراكاً ولا يحاول أن يقاوم أو يذود عن حياضه، بل ترك الكف تفعل بخده ما تريد. ثم أخذ الشاعر يفصح المصفوع بألا يدخل الحان ولا يأخذ مكانه فيها قبل أن تقام حوله الحاجز التي تحميه من شر الأكف. ثم تمادى الشاعر في التهكم وبالغ في السخرية فأشار على المصفوع بأن يدع خده يستقبل وفود الصفاع على الباب ويجلس هو وراء الحواجز آمناً مطمئناً على نفسه فصدغه سيحمل عنه عبء هذه الأكف الثائرة المجنونة.

والحق أن إسماعيل صبري اظهر في هذه المقطوعات براعة فائقة في التهكم المر والسخرية القاسية. وفيها مع ذلك فكاهات تدل عل خفة روح ذلك الشاعر وانظر إلى قوله:

أعرني يا ابن إبراهيم صدغا ... أخوض به غمار الصافعينا

فإن هو قد أعارك ما ترجى ... رايتهم أمامك هاربينا

كما هرب الفتى الصفاع يوماً ... أمام الكاتب ابن الكار تبينا

وخلف ثم رب الحان يجلو ... على المغلوب كأس الغالبينا

ويغبط ذلك الصدغ المفدى ... على إرغام كف الضاربينا

فإسماعيل صبري تمادى في التهكم حتى عكس القضية فجعل الغالب مغلوباً مهزوماً أمام صدغ المويلحي، وذلك لأن هذا الصدغ كما تصوره الشاعر كجلمود صخر تدمى عليه اكف الضاربين فيولون منه هربا. وجعل الحان يغبط المصفوع لأنه انتصر بصدغه القوى المتين، وينصحك بأنك إذا أردت أن تخوض غمار الصافعين وتخرج من المعركة ظافراً منتصر كانتصار المويلحي فما عليك إلا أن تذهب وترجوه أن يعيرك صدغه. فإن أجابك إلى طلبك رأيت الصفاع أمامك وقد ولو هرباً. وهذا نوع طريف من الهجاء فيه صور جديدة مضحك إلى حد بعيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>