ومن العار الذي لا يمحى، ويبقى سبة للرجل وأولاده من بعده يعيرون به، أن ينطق المريض مهما اشتد مره بكلمة تدل على تألمه، أو يبدى المضروب اقل توجع مهما اشتد عليه الضرب أو يظهر على المسوق إلى القتل اقل جزع أو خوف. وقد حدثت بأحاديث كثيرة في هذا الشأن، فقد ذكروا أن جماعة من المجموعة حكم عليهم بالإعدام وكانوا يساقون إلى المشنقة واحداً واحداً، فجلسوا يلعبون (السيجة) وهم ينتظرون نوبتهم في القتل، وكان الجلاد يأتي فيأخذ أحدهم للقتل، ويبقى الآخرون مستمرين في لعبهم دون أن يبدو عليهم أي ذعر أو خوف. . . وهكذا حتى قتلوا جميعاً.
وحدثت أن بعض الفرسان بق إلى المقصلة، وكان مكانها بعيداً، وقد أبى أن يمشى مقيداً، ولكن القيد كان من النوع المفرغ، فلا يمكن فكه، فأيئسوه من فك قيده، فطلب أن يقطعوا قدمه ففعلوا، وجعل يمشى وما رؤى عليه أي تأثر.
ومن العار أن يرفع الإنسان صوته بالأنين والتوجع في حادث من الحوادث حتى لقد تجرى لأحدهم عملية جراحية دون مخدر ومع ذلك لا يرتفع له صوت، رأيت مثل ذلك في مثقفيهم، وتأكد لي من مناقشتهم طويلاً في هذا الشأن، ولقد قلت مرة لأحد المترفين: ماذا وضربت عشرين سوطا؟ قال: أتألم اشد التألم، قلت أما ترفع بالتأوه والأنين؟ قال: لا. لا. (الكوراك) لا سبيل إليه (والكوراك: رفع الصوت)
ومعروف من عاداتهم في (البطان) أن الشاب إذا اعجب بفتاة ووقع حبه في قلبها نزعت من معصمها سواراً، وألبسته إياه، فيأخذ الشاب إذ ذاك سوطه، ويهزه فوق رأسها ويقول:(ابشري بالخير أنا أخو البنات عشرة) فإذا كان له بين الحضور منافس فيقف له حامل السوار واضعاً يده اليمنى فوق رأسه فيجلده بسوطه إلى أن يكل فيرمى السوط فيجلده حامل السوار في نوبته بما أعطي من قوة، ويقف المضروب في حالة الضرب جامداً لا يتحرك، ولا يطرف له جفن كأنه صخر أصم، ومن بدت عليه ظواهر التألم بل من بدت منه أقل حركة كهز الكف أو طرف الجفن، لبس العار، ولم يعد له في البنات نصيب.
بل قد حدثت بما هو ابعد من هذا، حدثت أن سيدة أبت أن تقوم في مأتم أخيها، أو تقف على قبره، لأنها رأت في وصيته ضعفاً وخوراً لم تحبهما فيه، رأته يوصى بان يدفن