بجوار قبر ولي من الأولياء، ولا يدفن في مقابر أهله وعشيرته، فقالت لا أبكيه أيخاف من النار وأبكيه؟!
هذا الخلق لابد أن يظهر في الشعر وإلا كان الشعراء يعيشون مع قوم آخرين فليس طبيعيا أن ترى الأنين والباء والتوجع والتأوه في الشعر السوداني، وإنما الطبيعي أن ترى التسامي على حوادث الدهر، والسخرية بتقلبات الأيام، والنفور من الضعف والهوان. وإذا كان للشعراء في أي جهة أخرى أن يسهوا الليل وأن يعدوا النجوم، وأن يلطموا الخدود، ويشقوا الجيوب في سبيل محبوبة هاجرة، وإذا كأنهم أن يشيعوا موتاهم بالعويل، وأن يتلقوا حوادث الأيام بجفن باك، وقلب واجف، وصبر متخاذل، فإنه ليس للشاعر السوداني إلا أن يقول كما قال ابن سناء الملك:
ولو مد نحوي حادث الدهر كفه ... لحدثت نفسي أن أمد له يدا
فليس من الطبيعي أن نقرأ للشاعر شيئاً من هذا إلا حين يئس نفسه وقومه، كقول الشيخ عمر ألا زهري:
سلا عن فؤادي مسبلات الذوائب ... فقد ضاع من بين القلوب الذوائب
فلا سلمت نفسي من الحب قد خلت ... ولا كان جفن دمعه غير ساكب
ولا أن تقرأ للشيخ أحمد المرضى:
لقد آن أن أبكي وأبكي البواكيا ... وانظم من حب الدموع المراثيا
ولكن من الطبيعي جداً أن نقرأ للشاعر عبد النبي مرسال هذه الأبيات.
أنا أن عضني الزمان بناب ... ودهائي يوماً بفرس
وبلتني الخطوب من كل نوع ... ودهتني الكروب من كل جنس
أن لي كالحديد عزماً ونفساً ... لا تفل الخطوب عزمي ونفسي
ومن الطبيعي أن يفتخر الشاعر السوداني بالبطولة والشجاعة وأن يتمدح بها، وأن يمدح حين يمدح بها ويهجو إذا هجا بالجبن والضعف والفرار يوم الزحف، وأن تظهر عواطفه في مثل هذه الأبيات:
ألقى بصبري جسام الحادثات ولى ... عزم أصد به ما قد يلاقني
ولا أتوق لحال لا تلائمها ... حالي، ولا منزل اللذات يلهيني