للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت ... إلا الذي بجميل الذكر يرضيني

وكيف اقبل أسباب الهوان ولى ... آباء صدق من الغر الميامين

وإذا كان أهل السودان يعدون الكرم من أكبر مفاخرهم والبذل من أحد سجاياهم - وهو كذلك - فبديهي أن تظهر هذه الحضارة النبيلة في الشعر، وأن تأخذ مكانها اللائق بها، وكثير ما نقرأ لهم الأبيات الجميلة في تمدح بالكرم، والافتخار بالجود كما نجدهم إذا هجو كان من أبلغ الهجاء عندهم أن يصفوا الرجل بالشح، وانه لا يؤدى واجب أضيافه، وكما تجد هذا في الشعر المعرب تجده في الشعر العامي، ويعجبني قول امرأة ترث زوجها.

بي عبدو، بي خادمو. ... للدهر العيش مورادمو

يكفى الضيف، ويقادمو

فهي تصف زوجها بالسيادة، وأنه صاحب عبد وخادم، تدق في الوصف، وتبلغ في التعبير وتنبل في المعنى، فتصف زوجها بالبذل والأنفاق، وإنه يعطى ما لديه، وإذا كان البخلاء يختزنوه العيش مخافة حوادث الدهر، وتقلبات الأيام، وإذا كان ظنهم في الله سيئاً فإن زوجها رجل لا يخاف إلا البخل، ولا يهرب إلا من قالة السوء، ولا يحسب حساباً للدهر والأيام، فهو لم يردم العيش ويختزنه خوفاً من الدهر (للدهر العيش المرادم) ثم تتحدث عن مظهر من مظاهر الكرم فتصف زوجها بأنه يكفي الضيف، وهذا لباب الكرم، ومع ذلك لا يقصر في الإكرام فهو يودع أضيافه إلى مسافة بعيدة على عادة الكرماء وعبرت عن ذلك ابسط تعبير (يكفى الضعيف ويقادموا) كما يعجبني رجل من البطاحين:

من منا ولى منا ... كذبوا القالوا متلنا

يكفى مراره فيسلنا ... ويصد القوم عاطلنا

فهو يفتخر هنا بنسب قومه ومكارمهم وشجاعتهم ويقول: أنه لا يساميهم أحد ومن قال أنه مثلهم فقد كذب، ويسكن البطاحين بين الجعليين والشكرية، الجعليون شمالهم، والشكريية جنوبهم، أو على تعبيرهم الشكرية في الصعيد، والجعليون في السافل، وهو يقول: من هنا والى هناك يقصد الجعليين والشكرية يكذب من يقول أنه مثلا، ثم يصف قومه بالكرم فقال: يكذب مرارة فسلنا، والفسل البخيل، ويكفى مرارة إشارة إلى العادة المعروفة في السودان وهي أنه إذا نزل أضياف برجل وكان كريما ذبح لهم، وللدلالة على أنه ذبح يقدم لهم أول

<<  <  ج:
ص:  >  >>