ونبيلة لا تقلان في الوضع الفني لتصميم المسرحية عن بقية الشخوص، أعني أن وجودهما على المسرح أمر لا غنى عنه إذا ما أردنا للواقعية الفنية أن تسير في طريقها المرسوم. . . إنهما شخصيتان غير دخيلتين كما يتوهم الأديب الفاضل، بل هما أصيلتان في واقع الفن وواقع الحياة!
لقد أبتلى توفيق الحكيم يوماً بداء الوظيفة الحكومية، ومن وراء المنظار وقعت عينيه الفاحصة على كثير من المآسي الخلقية التي صبها عن طريق مسرحيته في قالبها الفني الذي يتسع لها ولا يزبد. . . وكيل الوزارة المساعد يريد أن يتقرب إلى الوزير بشتى الطرق والأساليب، وهو في سبيل هذا التقرب يطلق كل ما في جعبته من سهام: السهم الأول هو وضع زوجته (سميرة) في خدمة (نبيلة) بنت الوزير، ولا بأس في أن تكون خادمة في بيت وزيره تقضي للزوجة والابنة كل ما يحتاجان إليه من أمور. . . وتريد العدسة الواعية من وراء هذه اللقطة البارعة أن توحي إلى القارئ بمدى تأثير هذه الخدمات (المنزلية) في نفس الوزير، وما يترتب عليها من خدمات (مصلحية) ينتظرها الوكيل المساعد. . . ومن هنا تظهر القيمة الحقيقة لظهور هاتين الشخصيتين الأنثويتين على مسرح الحوادث لغرض مقصود!
هذا هو السهم الأول، أما السهم الثاني فيستقر في قلب هذه الحقيقة الثانية التي سجاها توفيق الحكيم، وهي سعي الوكيل المساعد إلى النيل من زميله وكيل الوزارة حين أوحىإلى الوزير بوجوب منح أحد (المحاسيب) ترقية استثنائية، مقدماً أوفى الأدلة على ما يتمتع به هذا المحسوب من (كفاءة) منقطعة النظير. . . وعلى جناح الكيد والدس والوقيعة ينقل إليه أن وكيل الوزارة معترض على منح هذه الترقية لأنها حق غير مشروع، وأنه بهذا الاعتراض المتكرر يعطل أعمال الوزير ويقف في وجه مشروعاته (الإصلاحية)!
ويبقى السهم الثالث والأخير، وهو جناية الصراحة على أهلها حين يستدعي الوزير وكيله ليستطلع رأيه في هذا الذي نسب إليه. . . ويدور بينهما نقاش طويل يبدؤه الوزير بأنه يحب الصراحة ويقدرها ويضع صاحبها من نفسه في أحب مكان! وحين يطمئن الوكيل إلى هذا الخلق (الحميد) يجهر برأيه في شجاعة، وخلاصة هذا الرأي أن (محسوب) الوزير صفر اليدين من كل ما يؤهله للظفر بدرجة ليست من حقه وإنما هي من حق الآخرين. . .