بعد أن سكت الباش جاويش هدأت نفس زهرة قليلاً، وانقطع صوت بكائها أيضاً، وعند ذلك وقف صادق أمامها ومد يده إلى زهرة وقال:
زهرة خذي هذا الكتاب الذي كان عمر أعده قبل المعركة بيومين ليرسله إليك، ولم يرسله. وهذا المنديل الأصفر الذي معه فهو هدية إليك. فتناولت زهرة آثار خطيبها الشهيد كما تتناول كتاباً مقدساً، ثم دستها في صدرها، ومرت عدة دقائق في صمت رهيب، ثم رفعت زهرة رأسها ونظرت إلى الباش جاويش نظرة توسل، ومدت إليه يدها بالكتاب الذي كاد يتمزق، وفهم الباش جاويش غرض زهرة من هذه الحركة، فقال: هاتي يا بنيتي حتى أقرأه لك.
هذا الكتاب الذي أعده عمر ليرسله إلى حبيبته، ولم يقدر له الوصول إلى القرية. لم يكن طويلاً، فقد قرأه الباش جاويش بنظرة سريعة ألقاها عليه، فامتلأت عيناها بالدموع. ويظهر أن هذا الجندي الذي كان قبل لحظات ينصح زهرة ويقول لها: لا ينبغي للفتاة التركية أن تبكي) - لم يستطع لن يغالب دموعه فمد الكتاب إلى الأونباشي الذي بجانبه قائلاً: أقرأه على زهرة.
إن هذا الكتاب القصير المكون من عدة أسطر المبدوء بكلمة:(زهرتي) كان يبين بوضوح أي بطل شجاع كان ذلك القروي التركي، وأي قلب كبير الآمال كان يحمل بين جنبيه (زهرتي) إني في شدة الشوق إلى رؤيتك، وألمي لفراقك لا حد له ولا نهاية.
في اليوم الذي نخرج العدو من هذه التربة - تربة الوطن - سنتزوج، وسأكون يوم عقد زواجنا في حلتي العسكرية. أن عمر الجاس دره صار الآن الأونباشي عمر. وإلى الآن لم ألبس الحلة العسكرية. ذلك لأن الملابس العسكرية غير متوفرة. وأخبرنا القائد أننا جميعاً سنعطي الألبسة العسكرية في القريب العاجل.
أمس لبست حلة أحد رفاقي الجنود العسكرية، فقالوا لي: إنها منسجمة عليك جداً يا عمر. وسأرى هل تقولين أنت أيضاً مثل ذلك يا زهرة؟ ابقي سعيدة. سلامي إلى كل أهل القرية).
من ذلك اليوم لم تظهر زهرة الشقراء في القرية، لأنها لم تكن قد عادت إليها، إذ ماذا عسى أن تساوي قرية (جاس دره) بدون عمر؟!