للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما بفعل الأب الحنون، وقلبها بين عينيها وهو يقول:

لا تبكي يا عزيزتي. أن البكاء لا يليق بالفتاة التركية، إن حبيبك عمر وقع في ميدان القتال شهيداً، ولكن التي نالها عمر لا ينالها كل أحد، واسمعي حتى أشرح لك المسألة:

وكان القرويون والشباب قد تجمعوا وكونوا حلقة ضيقة، وساد بين الجميع صمت رهيب، فأخذ الباش جاويش رأس زهرة بيده اليسرى وأشار بيده اليمنى إلى مسيل ماء ضيق يلوح من بعيد كأنه خيط دقيق رمادي اللون وقال: هل ترين مجرى الماء الذي أمامنا، فقد كنا بعد ظهر أمس نطارد العدو النازل حول ذلك المجرى، وكان - على ما علمت بعد ذلك - عمر معنا، وانتهينا من هذه العملية، إلا أنه كان بقي على الجانب الآخر من النهر جنديان من جنودنا فوقع في أيدي فلول جيش العدو، وكانا يصرخان صراخاً مؤلماً وهما يجودان بأنفسهما بين أيدي العدو. في تلك الأثناء خاض أحد جنودنا الماء من جديد واجتاز النهر، وذهب لنجدة أخويه في الجندية، وفجأة وعلى غير انتظار - لا أدري كيف حصل ذلك - ظهرت بعض فلول جيش العدو هناك، وصار هذا الجندي الباسل الذي ذهب لنجدة أخويه - وذانك الجنديان معه - صار هؤلاء الجنود الثلاثة محاطين بقوة كبيرة من جيش العدو، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الدفاع عن أنفسهم ضد قوة تفوقهم أكثر من عشرين مرة. فصاروا يقاتلون ويدافعون عن أنفسهم كالأسود الضارية. وكان قتال مرير تساقط فيه الأعداء مثل سنابل القمح حصدت بمنجل حاد.

إلا أن أحد أبطالنا المقاتلين ببسالة كان قد وقع على الأرض فجأة فرأيت ضابطاً من ضباط الأعداء يلقي بنفسه عليه. وعند ذلك تحامل جندينا على نفسه، وبذل كل ما في وسعه من جهد، وأمسك بيد ذلك الضابط، وعض إصبعه حتى قطعها، ويظهر أن ذلك الضابط فقد وعيه من شدة الألم، فلم يأبه للحربة التي في يده، وكأنه نسي طريقة القتال بالحراب، وأخرج مسدسه، وأفرغ كل ما فيه من رصاص في رأس ذلك الجندي الباسل.

ثم علمت هوية ذلك الجندي الشجاع - فق كان أشجع أفراد فرقتنا وأكثرهم إقداماً - إنه كان خطيبك عمر).

ثم واصل الباش جاويش تلك المشاهد أمامه، فقال:

(كان بطل (جاس دره) عمر مستلقياً على ظهره، وعيناه الواسعتان محملقتين في اتجاه

<<  <  ج:
ص:  >  >>