دمشق الجديدة؟ هل أحرق الفرنسيون أحياء المدينة كلها فقام الدمشقيون قومة رجل جبار يبني ما انهدم ويشيد ما احترق؟ من حدود الميدان، مسقط رأسي إلى قمة جبل قيسون، ومن مدخل دمشق حتى الباب الشرقي فالفصاع، دارات تنشق أكمامها، ودور تناطح السحاب. كيف لا أضل الطريق وقد قامت قيامة الدماشقة على الهدم والبناء؟ طي القديم من كل شيء ونشر الجديد المعتدل من المدينة العصرية، سفور عن جمال بلا تبرج، وفتنة في دمشقيات، لا من باب البربرية ولا من باب الجابية، بل من كل حي من أحياء المدينة الحافلة بمدارس تضم الطالبات والطلاب، وبكل سوق للتجارة والحدائق والمتنزهات ودمشقة في الرجال قضت المدينة الحديثة على أكثر لحاهم وعمائمهم المطرزة
أبرز مظاهر الحياة في سورية المدارس، والعمران، والمصانع، في الجامعة السورية آلاف من الطلبة تخرج منهم في العام المنصرم (١٧٣) حقوقيا وخمسة وعشرون طبيباً واثنا عشر صيدليا وخمسة عشر مهندساً وطبيباً واحداً للأسنان وستة في العلوم واثنان وخمسون في الآداب وخمسة وعشرون من المعلمين في المعهد العالي عرفت أن سبب إقبال الطلاب على دراسة الحقوق مرده إلى أمرين اثنين، الأول أنفة الشباب من أولئك المتكالبين المتهالكين على مقاعد النيابة ومكاتب الحكومة، والثاني إقدامهم على اقتحام مضمار التجارة بسلاح من علم الاقتصاد
من برز مصانع دمشق لنسج القطن والحرير الصناعي والكتان والسكر والزيت والصابون والزجاج والأسمنت ومعامل التقطير وتوليد الكهرباء وسواها لا تبهره الأبنية الحديثة على النسق الأمريكي ولا الآلات الجديدة التي تدور بلا انقطاع ليل نهار يتناوبها ثلاثة أفواج من العمال والنظار والمهندسين، ولا العدد الوفير من الإنتاج الذي يذوب أيدي صغار التجار، بل تبهره إدارة حازمة نزيهة عادلة تتولاها شبيبة سورية تملأها العين والقلب والعقل
لازمني في طوافي مصانع الشركة الخماسية في (القابون) شاب توهمت أنه أحد المهندسين أو الكتاب الإداريين، وأخذ يحدثني حديث العارف المتمكن، قال، لم يعاوننا في تشييد هذا البناء وتركيب الآلات وإدارتها بانتظام كما ترى سوى مهندسين اثنين من الأمريكان، واحد للبناء والثاني للكهرباء، أما بقية الأيدي العاملة فكلها سورية فلسطينية، وللفلسطينيين عندنا العمل المضمون والمقام المشمول بالعطف، لأن شيطان الأطماع الاقتصادية أخرجه من