إذا كان دقيق الموازنة والاستقصاء قوي الملاحظة - أن الأمثال صورة صحيحة لكل ما يجري في عروق الأمة من عواطف وميول، وما يحيط بحياتها من مد الأيام وجزرها ولكن ليس ذلك في استطاعة باحث عابر، يكتفي بالإشارة، ويقتصر على النموذج والمثل.
ولا شك أننا نستطيع أن نستخرج كل مظاهر الحياة السودانية من الأمثال العامية. ولنعط القارئ على ذلك أمثلة قليلة لهذا النهج من البحث، فالمثل السوداني الشائع (ود العرب دولته يوم عرسه ويوم طهوره) يعطينا فكرة صحيحة عن العادات السودانية في الأفراح من إقامة الاحتفالات أياماً عديدة، يكون فيها العريس موضع الجلة والاحترام من الجميع رجال ونساء، ويكون مخدوما مطاع الكلمة حتى أنه يتخذ لنفسه وزيراً يكون له عوناً في جميع أموره، ويستشيره في الصغيرة والكبيرة منها، ويكون للعريس دالة على أقربائه وأصدقائه لا يحلم بها بعد اليوم من حياته، وفي ذلك يقول الشيخ عبد الله عبد الرحمن مهنئاً أخاه أحمد وذاكرا هذه العادة:
هات اسقني حلب العصير ... حمراء كالخد النضير
وادع الخلاعة والصبا ... واهتف بحي على السرور
وأقم لأحمد من بي ... وت الشعر أمثال القصور
كاد العريس يكون مل_كا في مواتاة الأمور
أو ما تراه ملقيا ... بهمة نحو الوزير
فكأنه في وقته ... رب الخورنق والسدير
ومع دلالة هذا المثل على هذه العادة فإنه يحمل كثيراً من الحسرة الكمينة في نفوس القوم، ويدل على ما يكابدونه من مضض تأسفا على المجد الضائع، والدولة الزائلة. وهل أدل على الحسرة والألم من أن (ود العرب) لا دولة له، ولا صولة إلا في هاتين المناسبتين، يوم عرسه، ويوم طهوره.
والرقيق كان منتشراً في السودان، تعرف ذلك من أمثالهم الكثيرة فيه، وتجارته في بعض الأحايين كانت غير رابحة، والمثل يقول: تاجران لا يربحان، تاجر الهف، وتاجر الكف، والهف الحبوب، والكف يريدون بها الرقيق، وثمن الرقيق - في بعض الأوقات - كان زهيداً جداً، بدليل المثل:(فكة ريق، أخير رأس رقيق) وفكة الريق، الطعام القليل الذي