للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أقول: وإني لمشتاق إلى ظل:

رجل يوازنك المودة جاهدا ... يعطي ويأخذ منك بالميزان

فإذا رأى مثقال حبة خردل ... مالت مودته مع الرجحان

وقد كنا نقترح الفضل، فأصبحنا نقترح العدل؛ وإلى الله المشتكى لا منه).

هذا، وإنا لنجد في الأمثال السودانية ظاهرة بيانية طيبة هي ميلها إلى التشبيه في بعض الأحايين، فمن أمثالهم (الإبرة ما بتشيل خيطين، والقلب ما يسع اثنين) فالمقصود من المثل هو الجزء الثاني، ولكن جاءوا بالأول ليدلوا به على صدق الثاني، وأنه من غير الممكن أن يسع القلب أثنين، وأنه من غير الممكن الذي يشاهده كل إنسان أن الإبرة لا تسع خيطين. ومن أمثالهم (رفيق اثنين كداب، وراكب سرجين وقاع، وماسك دربين ضهاب) فالمقصود تصوير حال المنافق الذي يجمع في الصداقة بين اثنين مختلفين، متماديين، ويزعم لكل منهما أنه صاحبه، والأثير عنده، فهذا كذاب، وهو شبيه بمن يركب سرجين، أو من يسير في دربين، فهذا كثير الضلال، وذاك كثير الوقوع، ومنها (صاحبك أن أباك قلل عليه الحوم، وباطنك أن وجع كثر عليه الصوم) لا شك أنهم يقصدون إلى أن ينصحوا في شأن الصاحب، حين تظهر منه الكراهية والتجنب، وأن خير علاج لهذه الحالة أن يقلل الإنسان من الاتصال به، فإن ذلك أدعى إلى أن تعود بينهما الألفة، وهم يذكرون تشبيهاً صحيحاً حسناً لهذه الحالة، فالمعدة إذا فسدت لا يصلحها إلا الإقلال من الطعام، وهو تشبيه متطبق غاية الانطباق، كما يلاحظ أن التشبيهات كلها إنما هي تشبيه المعاني المعقولة بالأمور المحسة، وذلك من أفضل ألوان التشبيه وأوفاها بالغرض. على أنهم في هذه الحالة قد يدقون ويبلغون غاية الأمد، حتى ليجعلون المعنى بارزاً واضحا، حين يقرنونه بالمشبه به، فقد نقول الفاجرة لا تتوب، ولكن كلامك يكون في موضع الشك والتردد، فإذا قلت كما قالوا (الماء ما بتروب، والفاجر ما بتوب) بلغت بالمعنى غاية الاستحالة، فلم ير إنسان الماء وقد راب، ولا يطمع أن يراه كذلك، وهذا شيء مستقر في العقول والقلوب، فليستقر فيها كذلك أن من المستحيل أن تتوب الفاجرة.

وفي الأمثال الوطنية فلسفة عميقة في بعض الأحايين، تحتاج إلى تأمل، وتستدعي الإعجاب، فمن أمثالهم (العترة تسمح المشي) يضرب للرجل يستفيد الصواب من خطئه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>