للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكلام.

وكان ابن تيمية عجيب الحفظ لا ينسى. . . وقد ذكروا الكثير من قوة حفظه، ومما روى في ذلك عنه وهو ما يزال بعد صبياً؛ أن شيخا من (حلب) علم به، فأراد أن يراه، وكتب له من متون الحديث أحد عشر متنا فلم يزد الصبي على أن نظر فيها مرة ثم اسمعه إياها. . . وقبل أن يبلغ العشرين كان قد نال حظا كبيرا من العلم، وذاعت شهرته حتى قيل أنه ناظر واستدل وهو دون البلوغ. . . وعد من أكابر العلماء في حياة شيوخه.

وليس من العجيب أن يكون الرجل كذلك؛ ولكن العجيب ألا يكون كذلك - فإن الوراثة أن كانت لا تصدق على كل العباقرة فهي هنا أصدق ما يكون، قرب عبقري أبواه عاديان ولكننا هنا أمام عبقري ينحدر من أصلاب عرفت بالعلم؛ وإن لم تعرف بالعبقرية فيه. فجده كان عالما معروفا، وقد ترجم له صاحب (فوات الوفيات)، وأبوه كان عالما كذلك. . . فنحن أمام إنسان خالط العلم دمه ونشأ يقرع سمعه أول ما يقرع. . نقاش في العلم والدين؛ ويرى أول ما يرى. . استمساكا بالدين وتمسكا به وقد قدر له أن يربى تربية فيها صلابة لا تضر، وأخذ في تنشأته في كل أطوار تربيته بآداب التصوف.

توفي والده وما يزال في سن الحادية والعشرين من عمره. فخلف والده وهو في إبان شبابه في تدريس الفقه الحنبلي؛ وفي كل يوم جمعة كان يفسر القرآن للناس من حفظه فينقضي مجلسه في شرح آية وتزيد!! بلا تحليل في لفظ أو جري وراء تأويل، وكان رجلنا واسع الاطلاع دائم القراءة، قل أن يدخل في علم ما - في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء على حذاق أهل. وكان في التفسير إليه المنتهى، وفي الحديث لا يلحق، وفي الفقه لا نظير له، وفي الملل لا يدانى، وفي التاريخ عجب عجاب.

قال ابن دقيق العيد بعد اجتماعه به (كنت أظن أن الله تعالى ما بقي يخلق مثلك) - وكان حر التفكير، كثير الجدل والمناظرة في حدود الكتاب والسنة، وقد كان مناظرا لا يبارى حتى أنه كان يناظر صغيرا، فيفحم الكبار، وقد جرت عليه جريته في القول وصلابته في الحق وبالا كثيرا.

تنقلاته واضطهاده

في ربيع الأول سنة ثمانية وتسعين وستمائة ورد سؤال من (حماة) على الشيخ بدمشق

<<  <  ج:
ص:  >  >>