للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يسأل فيه عن صفات الله، فرد الشيخ بكتاب وكان هذا الكتاب بدء المحن التي سيلاقيها الشيخ. وكانت سائحة انتهزها الشائعون، فلغطوا بأن الشيخ يقول بالتجسيم، ورموه بالكفر، وحرفوا كلمة وحملوه ما لا يحتمل، وسعوا إلى القضاة والفقهاء يستحثونهم لدرء الشر المزعوم، وأغروا قاضي الحنفية جلال الدين الحنفي باستحضاره، فأبى الشيخ ورد عليه بأنه ولى الحكم بين الناس، لا لحكم في العقائد، فغضب القاضي، وأمر بالنداء على بطلان عقيدته، ولكن والي دمشق حينذاك، منع المنادي، وعقد مجلسا للشيخ بحضور الفقهاء والوالي، فنوقش في عقيدته وبين مراده، وانفض المجلس ولم ينكر عليه الحضور شيئا.

انقضت المحنة الأولى إذن بسلام. ولكن الشيخ بات ثقيل الوطأة على أصحاب البدع والمتصوفة القائلين بالاتحاد والحلول، وبالغ في الرد على فقراء الأحمدية والرفاعية، وفضح حيلهم وكشف عن خدعهم التي يدعونها خوارق، كالدخول في النار ومسك الحياة وغير ذلك

وقيل لشيخنا (إن الشيخ نصر المنجي، في مصر، اتحادي، فكتب إليه الشيخ ينكر عليه ذلك؛ وكان المنبجي ذا أنصار ومعجبين، يداخل الأمراء وأصحاب الرأي، فشنع عليه ودس له الدسائس، وخوف القضاة والمراء وأثمر سعيه. فقد ورد من القاهرة إلى دمشق مرسوم سلطاني يأمر بسؤال الشيخ عن عقيدته فعقد في الثامن من رجب سنة خمس وسبعمائة مجلسا حضره القضاة والفقهاء وأعيد المجلس في الثاني عشر من رجب وحضره المخالفون وتناظروا مع الشيخ، ونصر الله الشيخ على خصومه، ولكن خصومه شنعوا عليه بعد ذلك وآذوه في صحبه، وعزر القاضي من يلوذ بالشيخ، وكانت فتنة تداركها الوالي بحزمه، ولم يكتف خصومه بذلك بل راحوا يدسون عليه من كل طريق: يقنعون أرباب الدولة بأنه خطر على السلطة، ويثيرون عليه الفقهاء لأنه خطر على الدين! فاستدعي إلى القاهرة في ٥ رمضان سنة ٧٠٥ هـ.

وللشيخ في مصر أي شأن، وستثار الضجة حوله وستناله الأحداث بأيد غلاظ وسيحتويه السجن في القاهرة والإسكندرية.

غادر دمشق في الثاني عشر من رمضان، ودخل القاهرة في الثاني والعشرين منه، ثم انعقد المجلس في القلعة الحصينة وانتظم في سمطه من القضاة جمع، ومن الأكابر قوم، وجلهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>