متنمر، للشيخ، إذا تكلم قوطع، وإذا باحث غولط، لم ينل حريته في القول. وكان (الشمس بن عدلان) أحد خصومه، كان دوره (تمثيل الاتهام) كدور النيابة الآن. وكان رئيس المجلس القاضي المالكي (ابن مخلوف). فقام ابن عدلان وقال:(إن الشيخ ابن تيمية يقول: أن الله فوق العرش حقيقة وان الله يتكلم بحرف وصوت، وأنه سبحانه يشار إليه بالإشارة الحسية؛ وإني أطلب عقوبته على ذلك.) ثم جلس. فتوجه القاضي ابن مخلوف إلى الشيخ ابن تيمية وقال:(ما تقول يا فقيه)؟ فنظر ابن تيمية إلى من في المجلس، ثم أخذ في حمد الله والثناء عليه، فقاطعه القاضي بقوله:(صه. . أجب عما قال الشيخ، ما جئنا بك هنا لتخطب، وأدرك ابن تيمية أن القاضي المالكي هو الحكم والخصم معا، فغضب الشيخ وانتفخت أوداجه وتهدج صوته وصاح فيهم: (كيف يحكم في وهو خصمي؟)
وانزعج القوم. . . فأقيم من ساعته وحبس في برج من أبراج القلعة ثم نقل إلى الجب وزج معه أخواه؛ وقد توسط الأمير سيف الدين سالار في إخراجه ولكن اشترط عليه شروط، منها الرجوع عن عقيدته فأبى. واستمر في سجنه حتى سنة سبع وسبعمائة حين أتى الأمير حسام الدين مهني بن عيسى ملك العرب إلى مصر وأخرجه. واعتذر له بعض الفقهاء، وأبرد إلى دمشق بخروجه، واستبقاء الأمير سيف الدين لينتفع الناس بعلمه وفرح قوم لخروجه وكمد آخرون.
مكث الشيخ يعلم الناس، ومكث أعداؤه يكيدون له، وخاصة الصوفية؛ وفي يوم فاض كلام الشيخ في الصوفية وقرص بكلامه الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، ونال في كلامه من ابن سبعين وابن العربي؛ فثارت ثائرة المتصوفة، وانضم إليهم أهل الخوانق والزوايا والربط وأقاموها ثورة على الشيخ؛ فذهبوا بجمعهم هذا إلى السلطان، ليشكوا إليه ابن تيمية، وتجمهروا حول القلعة، فقفز منهم على القلعة من قفز. . . وتسوروا أسوارها، ومكث تحتها من مكث
اضطرب السلطان؛ وعلم أنهم يريدون كف ابن تيمية عن شيوخهم، أن لم يكن يطلبون رأسه؛ وقد انضم إلى هؤلاء في الشكوى منه شيوخ الصوفية كابن عطاء الله السكندري المشهور - الذي كان عدواً للشيخ -. فعقد له مجلس وخير بين مغادرة القاهرة إلى الإسكندرية. أو السفر إلى دمشق بشروط، أو الحبس. فاختار الشيخ الحبس. . لكن قوما