كان قد سأله عم حكم (شد الرحال. . .) فأجابه الشيخ برأيه (وسنعرض له بعد). فكانت الفتنة، وحرفت الفتوى، وطير العلماء أمر كفره ونبأ فسقه في الأقطار العربية كلها، فتردد صدى ذلك في العالم الإسلامي كله. . فاضطرب في بغداد، وضج في مصر، وغلى في الشام، وأفتى جماعة من علماء مصر بقتله، وحمل آخرون السلطان على فعله. ولكن السلطان رضى بسجنه، فأصدر إلى دمشق أمره بحبسه، فذهب الشيخ إلى القلعة راضيا غير ساخط هازئا غير ناقم.
ثار علماء بغداد وأرسلوا الرسائل إلى الأقطار يوافقون الشيخ في رأيه، ويستنكرون فعل السلطان الناصر، ولكن لم تؤت هذه الرسائل ثمراً لأنها منعت عن السلطان. فمكث الشيخ في سجنه سنتين وثلاثة أشهر يعبد الله ويصنف التصانيف ويوفي المسائل التي حبس بسببها بحثا حتى أربى كتب فيها على المجلدات ولكن لم تترك للشيخ هذه اللذة، لذة العبادة والتأليف فقد ضاق أعداؤه بما يؤلف، وجروا هنا وهناك. . ساعين راشين، فورد مرسوم قبل وفاته بشهر بتجريده من كتبه وورقه.
. . . حرم الشيخ إذن لذته الكبرى فلم يحتمل ذلك، ومرض وفاضت روحه الطاهرة يوم الاثنين لعشرين من ذي القعدة سنة ٧٢٨ هـ. وقد كان لموته حزن عميق وحضر جنازته نحو خمسمائة ألف رجل ومن النساء خمسة عشر ألفا وقد قيل في جنازته الشيء الكثير.
وقد رثي الشيخ ابن تيمية بشعر كثير. . لو يسر الله له أديبا مخلصا وجمعه في ديوان لكان ذلك عملا فريدا في بابه. ومن حق ابن تيمية على الأزهر - أن أراد خيراً - أن ينشئ لجنة لأحياء آثار ابن تيمية على نسق لجنة إحياء آثار أبي العلاء. أراد الله له وللإسلام الخير وجعله عند حسن ظننا.