سخرت الفنون في عبادة الآلهة وتمجيدها، فظهرت المسرحية اليونانية وغرضها الأول تصوير حياة الآلهة، وما قاسوه من آلام. وكانت المسرحية تستمد مادتها من الأساطير التي تقص سير هذه الآلهة، وكان اليونانيون يحفظونها لأنها كانت تمثل كتابهم المقدس. وكان المسرح يعد هيكلا يقصد إليه الشعب لا لمشاهدة التمثيل فحسب بل لعبادة الآلهة وذلك بمشاركتهم وجدانياً فيما يقاسون من عذاب وألم.
فالمسرحية إذن، لم تخلق إلا لتشارك الشعب اليوناني في آلامه وأحزانه، وهي بهذه المشاركة، قد حققت للمسرح وجوده واجتذبت الشعب إليه، ودفعت الدولة إلى الاهتمام بالتمثيل، وتنظيم حفلاته.
وإذا استعرضنا المسرحية في كل العصور، وجدناها متصلة دائماً بالحياة، تصاحب الإنسان في تطوره وتقدمه، وتصور آلامه وآماله، وتشترك معه في معالجة مشاكله، وهي في كل هذا تعكس صورة صادقة للحياة، متأثرة بها أو مؤثرة فيها.
وإذا استعرضنا المسرحيات الخالدة في كل عصر، رأينا أن السبب في خلودها هو صدقها في تصوير واقع ذلك العصر، وتناولها المشاكل الإنسانية العامة، وعمقها في تصوير الغرائز والعواطف البشرية.
ومن هذا يتضح أن نجاح المسرحية، مرتبط بمدى انشغال العقل البشري بموضوعها، ومدى اشتراك البشر في الآلام التي تصورها، والآمال التي تنشدها، فإذا اتسع نطاقها متجاوز حدود المجتمع والعصر الذي ظهرت فيه، فهي تصبح إنسانية خالدة.
ولما كانت المسرحية وصورة مصغرة للحياة والإنسان هو الكائن الذي يمثل الحياة فيها، وجب أن تمنى المسرحية بتصوير الصراع الذي يدور في نفسه بين رغبته وقدرته، وبينه وبين مجتمعه الصغير وهو الأسرة، ثم بينه وبين المجتمع الكبير وهو الوطن، وبتصوير هذا الصراع الذي يدور في كل نفس بشرية عندما تحتك بالحياة، تصبح القضية التي تعالجها المسرحية إنسانية تهم كل إنسان، ويجب أن يراعى في اختيار النموذج البشري الذي يمثل الإنسان في الحياة، أن يكون إنساناً عاما يمثل جيله أصدق تمثيل، على أن يجمع الخصائص المميزة لهذا الجيل على اختلاف طبقاته، وبهذا تستطيع المسرحية أن تبرز الشخصية المصرية العامة، التي تمتاز بطابعها القوي، القريبة من قلب كل مصري. هذه