عند هذا المشهد، وبالتقاط الصورة من هذه الزاوية، وبتركيز الانفعال في هذا الموطن من مواطن الإثارة. عندئذ نوجد نظاما، وإذا ما أوجدنا النظام فقد خلقنا الجمال، وإذا ما خلقنا الجمال فقد أقمنا بناء الفن. هذا التصميم الذي ندعو إليه تنظم هيكله أصول (الأداء النفسي) في الشعر والتصوير والموسيقى هناك حيث تتوقف قيمة الفنان على مدى خبرته بتلوين الألفاظ والأجواء في الميدان الأول، وتوزيع الظلال والأضواء في الميدان الثاني، وتوجيه الأنغام والأصوات في الميدان الأخير. . ولا بد للأداء النفسي في الشعر وسائر الفنون من هذا (التصميم الداخلي) - وهو تصميم معنوي لا مادي -، لا بد من جمع أدوات العمل الفني وترتيبها في ذلك المستودع العميق، مستودع المنفس، قبل أن ندفع بها إلى حيز الوجود كائناً حياً مكتمل الخلقة متناسق الأعضاء. . إننا ننكر ذلك الشعر الذي تكون فيه القصيدة أشبه بتيه تنطمس فيه معالم الطرق وتنمحي الجهات، أو أشبه بمولود خرج إلى الحياة قبل موعده فخرج وهو ناقص النمو مشوه القسمات) أهـ.
قلنا هذا وكنا حريصين كل الحرص على تسليط شتى الأضواء الكاشفة على كل زاوية مظلمة، في سبيل الدقة اللفظية والتركيز المعنوي حتى تتضح المشكلة للقارئ كل الوضوح. ونعتقد بعد هذا الشرح والتحليل أن مشكلة القيود المفروضة في الفن كما عرضنا لها من وجهة نظرنا الذاتية، لم يبق منها جانب من الجوانب يحتاج معه القارئ إلى أن يسأل عما وراء الألفاظ من معان أو عما يعقب وراء اللمحات من غايات. ولكن صديقنا الأستاذ سرطاوي يعقب على هذه الوجهة من وجهات النظر فيقول: (والذي ينعم النظر فيما اقتبسناه من رأى الأستاذ المعداوي يخيل إليه أن عمل الفنان لا يفترق عن عمل المهندس، ذلك أن المهندس يجلس إلى منضدته وأدواته الهندسية في زحمة الأرقام والأبعاد والحجوم، وتحت سيطرة العقل الواعي وحدة الذهن، وهدوء الطبع، يرسم على أوراقه التصاميم التي يطلب منه عملها من عمارات، وجسور، وطرق، وأنفاق، إلى آخر ما هنالك من أعمال هندسية، حتى إذا ما فرغ من عمله المعقد الدقيق، وحساباته التي تحطم الرأس، نقل ما على الأوراق من أشكال إلى مسرح العمل، وراحت تلك التصاميم تأخذ طريقها إلى الوجود. .
الواقع أن الفنان، من شاعر ومصور وموسيقي، لا علاقة له بكل ما ذكرناه. إنه يعمل في الجو الذي يندمج فيه الفنان بروحه مع السر الغامض في الطبيعة حيث يسقط العقل الواعي