صريعا تحت ضربات النفس الإنسانية، إنه يعمل في منطقة التخدر الحسي، تلك المنطقة التي لا يسيطر عليها غير العواطف) أهـ.
إلى هنا ونقف قليلا مع الأستاذ سرطاوي. . . نقف قليلا لنقول له: ما أكثر وجوه الشبه بين عمل المهندس وعمل الشاعر والمصور وكاتب القصة والموسيقار؛ كل واحد من هؤلاء فنان. . ومبلغ الصدق في نسبتهم إلى الفن أنهم جميعاً ينشدون النظام والجمال فيما يعملون. هذا المهندس الذي يضع تصميم بيت جميل يراعي النسب والأبعاد ليخلق هندسة معمارية فنية، وهذا الشاعر الذي يضع تصميم قصيدة محلقة يراعي النسب والأبعاد ليوجد هندسة شعرية فنية، وقل مثل ذلك عن بقية الفنون عند سائر الفنانين. . ما هي تلك النسب والأبعاد؟ هي مراعاة التوافق والانسجام بين خط وزاوية في عمل المهندس، وبين لفظ ومعنى في عمل الشاعر، وبين ضوء وظل في عمل الرسام، وبين مشهد وحياة في عمل القصاص، وبين نغمة وشعور في عمل الموسيقار. . و (ملكة التنظيم) وحدها هي التي تشرف على هذه (الهندسة الفنية) سواء أكانت معمارية أم شعرية أم تصويرية أم قصصية أم موسيقية. . ولا فرق أبداً بين (خريطة) المهندس و (نوتة) الموسيقار، لأن كليهما يا صديقي تمثل هذا (التصميم الفني) الذي رسم كلاهما أصوله وقواعده! وإذا كان المهندس يجلس إلى منضدته وأدواته بين يديه، فإن كلا من الشاعر والقصاص وكاتب المسرحية يجلس إلى نفسه وأدواته في ذلك المستودع العميق الذي أشرنا إليه. . نريد أن نقول أن التصميم الفني هنا معنوي هنا ومادي هناك.
وما دام الأستاذ سرطاوي قد دفع بنا إلى أفق المقارنة بين عمل المهندس وعمل الفنان، فإننا نود أن يرجع إلى العدد الصادر من مجلة (العالم العربي) فبراير سنة ١٩٤٨، لو رجع الأستاذ الفاضل إلى هذا العدد لوجد في صفحة النقد الأدبي مقالاً وضعنا فيه تحت المجهر كتابا من كتب المهجر، هو (حفنة ريح) للكاتب اللبناني سعيد تقي الدين. . حيث وردت هذه الفقرة في ثنايا المقال: (وتعال نستمع مرة أخرى، إنه يتحدث عن تصميم القصة فيقول: ضع لقصتك تصميما كما يفعل المهندس بخريطة البناية قبل أن يباشر البناء، بالطبع حين تجلس لتكتب، سترشد عن الخريطة قليلا ولكن التصميم ضروري. . أن سعيد تقي الدين يذكرنا بقول مارك سوان: يجب أن يكون للقصة تصميم فني كذلك الذي يضعه