المهندس المعماري للبناء، أو كتلك المذكرات التي يعدها المحامي قبل مباشرة إحدى قضاياه).
هذا هو ما عقبنا به على إحدى اللفتات المشرقة للكاتب اللبناني، حيث أشرنا إلى مدى التشابه بين رأيه ورأي (مارك سوان)، وهو تشابه يعبر عن النقاء نظرتين في طريق من هذه الطرق التي تتوارد فيها الخواطر تبعا لوحدة الفهم العامة لمشكلة من مشاكل الفنون.
وإذا كان الأستاذ سرطاوي يركز مظاهر الاختلاف بين عمل المهندس وعمل الفنان في أن الأول يضع تصميمه الفني وهو تحت سيطرة (العقل الواعي وحدة الذهن وهدوء الطبع)، وأن الثاني يعمل في جو آخر (يندمج فيه بروحه مع السر الغامض في الطبيعة حيث يسقط العقل الواعي صريعاً تحت ضربات النفس الإنسانية). . إذا كان الأستاذ يركز مظاهر الاختلاف في هذه النقطة فإننا نقف معه مرة أخرى: ترى هل يريد أن يجرد الشاعر والقصاص والمصور والموسيقار من سيطرة (الوعي) في مرحلة الإبداع الفني، لأن كلا منهم لا يعمل إلا في منطقة التخدر الحسي، تلك المنطقة التي لا تسيطر عليها غير العواطف كما يقول؟ لا يا سيدي! ونقولها لك لملء الفم وبكل ومضة من ومضات الإيمان. . أن مرحلة التخدر الحسي والوعي المسلوب لا تتمثل إلا في حالة واحدة، وهي حالة التلقية الأولى، والإلهام الوليد، فالفنان قد يتلقى الفكرة أول ما يتلقاها عن طريق الإلهام العابر في لحظة من لحظات الذهول، يتلقاها جنينا غير منظم الخلقة ولا منسق التكوين، جنينا تدب فيه الحياة بقدر من النبض والخفوق يتناسب وهيكله الناقص وكيانه الهزيل، إنها الحياة وليست كل الحياة. . أما بعد هذا فليس للعقل الذاهل مجال!
ترى هل يتابعنا الأستاذ سرطاوي ونحن معه خطوة بعد خطوة ونمهد للنتائج في ضوء المقدمات؟ نريد أن تقول له أن المرحلة الأولى من مراحل الإبداع الفني هي مرحلة الوعي الذاهل أن صح التعبير، أما بقية المراحل الأخرى فهي ميدان العمل الحقيقي للوعي العاقل على أصح تقدير. . هذه الفكرة الضئيلة التي يوحي بها إلى الفنان على غير ترقب وانتظار، تسلمها الإلهام العابر إلى العقل جنينا ليكفله بعد ذلك ويرعاه. فالإلهام العابر هنا في لحظة التخدر الحسي هو (المؤلف) الأول لهذه الفكرة الوليدة، أما العقل فهو (المخرج) الفنان الذي يتولى إخراجها على مسرح الفكر بكل ما في الإخراج الفني من قواعد