وأصول. . خذ مثلا فكرة القصيدة أو اللوحة أو المسرحية أو السمفونية عندما تنبت في رأس الفنان، إنها في تكوينها الأول لا تفترق في شيء عن تكوين الجنين عندما يكون مضغة لا سمات فيها ولا قسمات، ولكن من يشرف على هذا الجنين يتم له النضج ويكتمل له التكوين وتبعث فيه الحياة؟ إنه العقل الواعي بلا جدال. . العقل الواعي الذي يقول للشاعر: أن (الجو الشعري) لهذه القصيدة يصلح له هذا الوزن دون ذاك، وتتلاءم معه (هذه الموسيقى الداخلية) دون تلك، وإن البناء الفني ينبغي أن يخضع للوحدة الموضوعية على هدى (العلاقة النفسية) بين الفظ والإيقاع. . العقل الواعي الذي يقول للرسام: أحرص على أن تكون النسب الفنية بين الزوايا متعادلة، ضع هذا اللون المناسب لحقيقة المشهد كما رأيته في لوحة الطبيعة، ألق هذا الضوء الباهر من هذا الجانب ركز هذا الظل القائم ليزيد من قوة الإيحاء. . العقل الواعي الذي يقول لكاتب المسرحية: ضع نفسك موضع الشخصية التي تخيرتها لتلغدورها على المسرح، ثم أنطقها بما يمكن أن تنطلق أنت به قبل أن تسجل الحوار، ثم نتبع سير الحوادث كما تتبعه في واقع الحياة، ثم فتش عن الموقف الذي يجب أن يزخر بالانفعال لتلهبه بحرارة الصراع، وهكذا كان يفعل الكاتب المسرحي (بومارشيه). . العقل الواعي الذي فرض على الموسيقار الخالد (بيتهوفن) أن يكثر من (الشطب) في نوته الموسيقية،. . لماذا؟ لأن منطقة (التخدر الحسي) كانت تتعرض لهبوب التيارات العقلية (المنبهة) فيحدث الشطب الذي يعقبه التغيير والتعديل!
إن العقل الواعي لا يسقط صريعاً إلا عندما يستخدمه أصحاب المذهب السريالي أو أصحاب الشعوذة العقلية، أولئك الذين يدافع عنهم الأستاذ سرطاوي بهذه الكلمات:(إن الحركة السريالية ليست في واقع الأمر فوضى فكرية تنسب ظلما إلى الفن) كما يقول الأستاذ المعداوي، بل لعل فيها بعض الشيء الذي لم نستطع تذوقه أو إبصاره، وأبصره وتذوقه بعض من سوانا أن الذين يعرفون أسرار الذرة يعدون على الأصابع، ولكن هل يعني جهل الكثرة من البشر هذه الأسرار أن قوانين تحطيم الذرة مضطربة مشوشة لا يطمئن إليها الفكرة)؟
مرة أخرى نقول للأستاذ الفاضل: لا يا سيدي! أن القياس هنا مع الفارق. . أن (الأبحاث الذرية) تقوم على نظريات علمية ثابتة ليس إلى إنكارها من سبيل، والعلم هو أكثر