للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظواهر الفكرية دقة ونظاما حتى أنه لا يبلغ الهدف إلا إذا سار في طريق مرسوم. صحيح أننا لا نعرف سر القنبلة الذرية ولكننا نعرف نتائجها الواضحة. . أما (الأبحاث السريالية) فلا نعرف لها هدفا تسعى إليه، ولا تدرك لها العقول مرمى ولا نتيجة، ولا تهتدي الأذواق فيها إلى شيء من الدقة والنظام! قلنا فوضى فكرية أساسها وجدان مضطرب، وذهن مشوش ومقاييس معقدة أو مزلزلة. . والفوضى الفكرية لا يمكن أن تنتج فنا بمعنى الفن أو علما بمعنى العلم، لأن كليهما يضيق بكل مظهر من مظاهر الزلزلة والارتجال.

أي فن هذا الذي لا نستطيع أن نتذوقه ويظل تذوقه مقصورا على منتجيه؟ أهذه هي رسالة الفن؟ أهذه هي مقوماته ومراميه؟ بالطبع ليس الأستاذ سرطاوي في حاجة إلى أن نشرح له رسالة الفن وما يشترط لهذه الرسالة من مقومات. . ولكن حسبنا أن نقوله له أن هذا العصر الذي نعيش فيه أصبح يثور على كل فنان يستخدم فنه للتعبير عن مشاعر فردية أو ذاتية، مهما بلغ من كمال الوعي ووضوح التعبير وجمال الأداء فإذا كانت هذه هي طبيعة العصر وهذا هو ذوقه، فكيف يكون موقفه من الفنان السريالي الذي يعبر عن مشاعره الخاصة وهو في غيبوبة عقلية متصلة يتنجز معها كل وعي وكل وضوح وكل جمال؟!

ومالنا نذهب بعيدا وبين يدينا هذا المعول الهام الذي بهوى به أحد أقطاب المدرسة السريالية على زملائه القدامى في غير رفق ولا هوادة؟ لقد كان واحدا منهم في يوم من الأيام، أما الآن فقد عاد إلى رشده وثاب إلى عقله واهتدى إلى الطريق القويم، وعاد إليه عشاقه ومريدوه بعد أن انفضوا من حوله في أعقاب الحرب العالمية الأولى يوم أن بشر في هذا التاريخ بمولد فن جديد أو بثورة جديدة على هذا الفن العتيق الذي لم يعد يصلح لأبناء هذا الجيل ويعني به فن دافنشي ومايكل أنجلو ورفائيل ورميرانت. . كان هذا الثائر على فن أولئك العباقرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى هو الرسام الإيطالي العظيم (دي شريكو)، يقاسمه في حمل لواء الثورة والزعامة زميله الرسام الفرنسي (بيكاسو) وكلاهما كان يحمل اللواء في وطنه: هذا يدعو إلى المذهب السريالي بين مريديه من الفرنسيين وذاك بين مرديه من الإيطاليين. . ولنستمع إلى دي شريكو وهو يصوب سهام نقده إلى المدرسة التي كان بالأمس واحداً من زعمائها المبرزين: (إن مدرسة السيالزم قد أنتجت لوحاتها في مستشفى الأمراض العقلية. . وإن محاولتها في خلق فن جديد قد بلغت أوج

<<  <  ج:
ص:  >  >>