للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قبل الدخول في صلب الموضوع.

الأدب:

مرآة صافية تنطبع عليها انعكاسات المجتمع وصوره بما فيها من آلام وآمال. والأديب - هو العدسة اللاقطة لتلك الصور والانعكاسات فإذا ما تأثر الأديب بصورة من صور المجتمع أخرجها لوحة فنية ذات منظر أخاذ، وليس عليه ما تبعثه الصورة في النفس من ألم وانقباض أو بسطة وانشراح وإنما عليه أن ينقل الصورة بكل أمانة وصدق، يستطيع والحالة هذه التقاط صور المجتمع بما فيها من آلام وآمال إلا من الدس بين طبقات المجتمع وعانى ما يعانيه من بؤس وشقاء فمتى يستطيع ذو البرج العاجي حليف الخمرة والدن واليف الغيد من أبناء الترف والنعيم تصوير البؤس والشقاء وهي صور الأغلبية الساحقة للشعب؟ وكيف يستطيع أن يعطينا الصورة صادقة صحيحة من برجه العاجي من لم يتذوق البؤس والشقاء؟ فليس أديبا ولا فنانا من يصف لنا الحياة من دائرة ضيقة ولا يراها إلا من جهة واحدة. وليس الأديب إلا من يعطينا صور الحياة من جميع جهاتها بما فيها من آلام وآمال وسعادة وشقاء. ولا يستطيع هذا إلا الأديب الذي خبر الحياة وتذوق منها طعم اللذة والألم. وذاك أديب الواقع الذي يعيش بين طبقات المجتمع ويندس بين صفوفه، وهذا ينقسم إلى قسمين. قسم يفضل الراحة والهناءة فيتخذ من الأدب مهنة للكسب والعيش فيبذل ماء وجهه باستنداء الأكف وطلب الصدقات يتسكع على باب هذا وذاك في سبيل الحصول على العيش الرذيل. وهذا النوع من الأدباء يكون مهدر الكرامة مهان النفس فتأتي صورة مشوهة عن الحقيقة لابسة غير لبوسها حسب ما يقتضيه ظرفه وحسب ما تطلبه مصلحته. والأدب أرفع من أن ينزل إلى هذا المستوى إذ هو في رفيع سامي منزة عن الدنايا والهنات وإلا فهو الحقيقي سواء.

لنترك هذا النوع من الأدب والأدباء إذ لا خير يرجى من أدب وأديب ينزل إلى هذا المستوى الوضيع ولنتحدث عن القسم الثاني من الأدباء الواقعيين الذين نريد الحديث عنهم بعد هذه المقدمة. الأدباء الذين أبوا العيش إلا من قوة أيديهم وما يبذلونه من جهد وذلك باختيارهم مهنة تدر عليهم الرزق وتصون أديم وجوههم من الابتذال وتكفيهم ذل الحاجة والسؤال وتحفظ كرامتهم من الأمتهان وهذا القسم من الأدباء أولى بالذكر والخلود. - وها

<<  <  ج:
ص:  >  >>