قال الشيخ: فتفر في تلك الساعة إلى الحياة ولذاتها في خيالك، أم تفر منها ومن لذاتها؟
قال: بل الفرار منها، فأن خيالها يكون خبالاً
قال الشيخ: ففي تلك الساعة التي هي عمر نفسك وعمل نفسك ورجاء نفسك؛ تستشعر اللذة في موتك بطلاً مذكوراً، أم تحس الكرب والمقت من ذلك؟
قال: بل استشعر اللذة
قال الشيخ: إذن فهي كبرياء الروح العظيمة على مادة التراب والطين في أي أشكالها ولو في الذهب
قال: هي تلك؟
قال الشيخ: إذن فبعض أشياء النفس تمحو في بعض الأحوال كل أشياء الدنيا، أو الأشياء الكثيرة من الدنيا
قال: نعم
قال الإمام: يرحمك الله. كذلك محي عندنا أمير المؤمنين وابن أمير المؤمنين ومحي المال والغنى، ولم يكن ذلك عندنا إلا سعادة. ومن رحمة الله أن كل من هدى سبيله بالدين أو الحكمة استطاع أن يصنع بنفسه لنفسه سعادتها في الدنيا، ولو لم يكن له إلا لقيمات؛ فأن السعة سعة الخلق لا المال، والفقر فقر الخلق لا العيش
قال الراوي: ثم أن الإمام العظيم التفت إلى الناس وقال: أما أنى - علم الله - ما زوجت ابنتي رجلاً اعرفه فقيراً أو غنياً بل اعرفه بطلاً من أبطال الحياة يملك أقوى أسلحته من الدين والفضيلة. وقد أيقنت حين زوجتها منه إنها ستعرف بفضيلة نفسها فضيلة نفسه، فيتجانس الطبع والطبع؛ ولا مهنأ لرجل وامرأة إلا أن يجانس طبعه طبعها، وقد علمت وعلم الناس أن ليس في مال الدنيا ما يشتري هذه المجانسة، وأنها لا تكون إلا هدية قلب لقلب يأتلفان ويتحابان
ثم قال الإمام: وأنا فقد دخلت على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ورأيتهن في دورهن يقاسين الحياة، ويعانين من الرزق ما شح دره فلا يجيء إلا كالقطرة بعد القطرة، وهن على ذلك، ما واحدة منهن إلا هي ملكة من ملكات الآدمية كلها وما فقرهن والله إلا كبرياء الجنة، نظرت إلى الأرض فقالت: لا. . .!