عما هو أبقى في سرور الحياة وأجمل في النفس وأحلى، فقال: أنه الحديث. . . فقد ذقت الطيبات ونعمت باللذات وبلغت جهد ما يبتغي المرء من دنياه، فلم أجد أبقى في النفس ولا أمتع للفكر من حلاوة الحديث وسحر الكلام. ومن لطائف المؤلفة في هذا الفصل، ردها على من يتندرون على المرأة بأنها لا تجيد من الحديث إلا الكلام على الطعام وألوانه، والثياب وأزيائها، والخدم ومشاكلهم، والملاهي وسلواها_إذ قالت:(إن صبح هذا في أكثر نسائنا فإن الرجال مع سبقهم إلى الثقافة وكثرة تمازجهم وأتساع آفاق الحياة أمامهم، ما تزال أحاديثهم إذا جدوا لا تعدو اللغو في السياسية والأحزاب) وإني - على رغم هذا - أشكو إلى الله إنا لا نلاقي كثيراً أمثال السيدة وداد اللائي يخرج حديثهن عن الثياب وتفصيلاتها ومن تزوجت ومن طلقت. . . إلى آخر تلك الثرثرة الفارغة.
ثم لنعرج على هذا الفصل (أدب النسوة) فقد وجدت به ما يدعو إلى بعض المناقشة. ترى المؤلفة أن أدب النساء (هو في تصوير الحياة النسائية المبهمة والعادات المحجوبة عن الرجال فأي كاتب مهما بلغ وعيه واستفاض وحيه يستطيع أن يحيط بأسرار النساء وهي عندهن في آبار عميقة وتحت حجب ضيقة؟ فكثير من أحاديثهن لا يفضين به إلى الرجال ولا يقدر أن يستله منهن إلا الكاتب، فسر السحر والتعاويذ وضروب الكيد بينهن والحسد وستر المنكر وتزوير الجمال وتصوير الأمومة، كل هذا في عالم النساء لا يقيض للكاتب أن يجول فيه، أما للكاتبة فلها فيها جولات مجليات.
وأنا أولا لا أوافقها على تخصيص بعض مجالات الأدب للنساء وبعضها للرجال، فلا نعد موضوعا ما من اختصاص الأديبة لأنه من خصائص النساء لا ينبغي أن يتعرض له الأديب، وقل مثل ذلك في العكس، لأن مدار الأمر على انفعال الأديب أو الأديبة بالموضع ومقدار إطلاعه فيه ومعرفته لدقائقه، وإذا سلمنا بأن كلاً من الرجل والمرأة أدرى بحسنه وشؤونه فلا ينبغي أن ننكر على من يتعلق خاطره بموضوعات الجنس الآخر أن يتناولها. وأذهب - أكثر من هذا - إلى أن هناك ما تعرفه المرأة عن الرجل أكثر مما يعرفه الرجل عن الرجل، وقل أيضاً مثل ذلك في العكس.
ثم أقول: هل أسرار المرأة النساء وحياتهن المبهمة اللائي يحجبنها عن الرجال مما تكشفه المرأة في أدبها وتفضي به الكاتبة في كتابتها؟ أليس الذي يدفعها إلى حجبه عن الرجال