لشيء في الوجود مثلما يهتز لرأي الدموع. . . إنها الدليل الفذ على أن القلب يملك رصيدا موفورا في دنيا المشاعر والأحاسيس، وأنه يمت إلى الإنسانية بأوثق الصلات. . . وتعرف أيضاً أن دموع المرأة هي المحراب الوحيد الذي يمنحه قلبي أخلص صلواته وأحر دعواته، ويقدم إليه من أحلامه أثمن القرابين
ولعلك تذكر أنني حين كنت أحدثك عن فتاة أحلامي كنت أطيل الحديث عن نظراتها المبللة بالدموع وعن قسماتها المغلفة بالأسى والشجن. . . كنت لا أخفى هيامي بالبسمات السائحة حين تفر في دروب الخجل، والكلمات الهامسة حين تختبئ في زوايا الصمت، والجمال الفاتن حين يبدو إلى العين في إطار حزين!! أظن أنه من السهل عليك الآن أن تتصور لماذا لم أكن أحبها. . لأنها في نظري فتاة فارغة؛ وهل تستطيع ضحكاتها المرحة اللاهية أن تحدد مكانتها في دنيا الشعور إلا كما تحدد رنات الطبلة الضخمة مكانها في دنيا الموسيقى؛ ومع ذلك فإنني كنت دائما أتعمد أن أطيل معها الحديث وأن أظهر لها من ضروب الود وألوان الاهتمام ما جعلها تأنس بي وترتاح لرؤيتي وتغرقني معها في فيض ذاخر من المسرة والإمتاع!!
ولا تعجب يا صديقي فأنا كما تعلم أطرق بعصا الشباب أبواب العشرين. . . والشاب في تلك السن يجد نوعا من الزهو وأنواعاً من اللذة حين تؤثره عذراء بالحديث وتخصه بالود وتعطر حياته بأنفاس سبابها الغض النضير
ومن هنا يا صديقي تدخل القدر ليجعل من تلك التسلية الساذجة غراما تحترق فيه القلوب ولا تجد ما يطفئها غير الدموع!
كان ذلك حين أراش (كيوييد) اللعين سهمه الطائش إلى قلب (فتحية) الفتاة التي عمر الزهور. . وفتحت المسكينة عينيها لتراني فتاها المحبوب وهواها المأمول ورجاءها الباسم!!
وفتحت أنا عيني لأرى وجهها الجميل تلك الخميرة الخفيفة التي هي أشهى ما تقدم المرأة على مائدة الشباب. وأرهفت أذني لأسمع في صوتها المرح تلك الربكة الظاهرة التي هي أصدق ما تقول المرأة في قصة الحب.
وفتحت عيني مرة أخرى على قلبي فإذا به هادئ ليس كهذه القلوب التي يهزها الحب