توافيه له ومظاهرته له على الدوام، أظن أن هذا مقام لا تحمد فيه إطالة الكلام
مع هذا كله ففي يوم الجلي، يوم تحدث الأحداث القومية، ينفض الناس قلوبهم حتى يتساقط عنها كل ما علق بها من الحقد على الشيخ علي يوسف، ويتلعون أعناقهم نحو المؤيد، شاخصة أبصارهم، مرهفة آذانهم، معلقة في انتظار ما يقول الشيخ أنفاسهم. فإذا النمر الجبار يثب على فريسته من عدوان العادين وثبته فلا يزال يوسعها تمزيقاً بمخلبه، وضغماً بأنيبه حتى ما يدعها إلا (اعظماً وجلوداً)
نعم، لقد كان يقول الشيخ علي فيروي كل غلة، ويشفى كل علة،، ويعلو بسطوة قلمه حتى ما ينتهي منتهاه في ذاك أحد. والناس طراً لهذه النصرة بين مهلل وبين مكبر!. هذه كانت قدرة الشيخ القادرة وهذه كانت قوته العبقرية النادرة. وهذه مقالاته في أعقاب حادثة دنشواي ما برحت ترن في آذان من قرءوها إلى الآن
وأني لأذكر له حادثاً طريفاً في هذا الباب:
فشت الفاشية، لا أعادها الله بين المسلمين وإخوانهم الأقباط عقب مصرع المرحوم بطرس باشا غالي، وكان ذلك في سنة ١٩١٠ على ما اذكر، وعقد الأقباط مؤتمراً ملياً لهم في أسيوط، وأجابهم المسلمون بمؤتمر مثله في القاهرة وأفضوا برياسته إلى اكبر رجل في البلاد يومئذ وهو المرحوم مصطفى رياض باشا، واختار القائمون على هذا المؤتمر مثوى لاجتماعه ملعب مصر الجديدة، ومضى الناس أفواجاً في اليوم المشهود، واجتمع رجالات البلد لم يتخلف منهم إلا من انقطع به العذر. وتصدر الحفل رياض باشا. وتعاقب الخطباء كابراً بعد كابر. فأبلوا في المقال أيما بلاء وأبدعوا في الخطاب أيما إبداع
حتى إذا كانت النوبة على الشيخ علي أذكى بعض شبان الحزب الوطني في المحتشدين في بهو الملعب طائفة من الفتيان من طلبة الأزهر وتلاميذ المدارس، يسألون القوم إلا يصفقوا إذا خطب الشيخ ولا يظهروا أية إشارة تدل على الاستحسان. فوعدهم اكثر الناس بهذا وأصروا عليه مخلصين لما تنطوي صدورهم من حقد عليه ومن بغضاء
وينبعث الشيخ يخطب وهو كما قدمت لك غير خطيب. استغفر الله بل لقد انبعث يتلو مقالته في أوراق بين يديه، وأنت حق خبير بالفرق الهائل بين اثر التالي واثر الخطيب. وما أن مضى في تلاوته بضع دقائق حتى اخذ الناس عن نفوسهم، ونسوا ما عاهدوا أولئك