كراهية الشاطئ الحبيب، وهم يرونه منكفئا - أبدا - على نفسه يسبح في تيه من الظلومات لا يطرب للذة ولا يهتز لمتعة ولا يستبشر لفرحة، فانطلقوا إليه يوسوسون بأمر:
وظفر شيطان من الناس - بعد لآي - بالفتى فجذبه إلى الشاطئ في برنسه وتبانه. لقد خلع الفتى ثوبه ولكنه لم يستطع أن يخلع الحياء، فوقف بازاء الماء يهم أن يخلع البرنس فيمسكه الخجل وقد أكتنفه الندم على أن طاوع رأي صديقه الشيطان. وتردد حينا غير أن صاحبه لم يدعه يفكر طويلا فجذبه - على حين غفلة - من برنسه، فإذا هو في تبانه يضطرب، ونظر حواليه فرأى عيونا رمقة، فأندفع في الماء يشق الموج بذراعين فيهما القوة والفتوة والشباب. وانطلق الرفاق على آثاره يمجدون الطفرة المباركة واهتزت نفسه لكلمات الإطراء فأنطلق يصارع الموت.
وأحس الفتى أن رفاقه يتساقطون من حوله واحدا بعد واحد من أثر ألاين والفرق، وراعه أن يجد نفسه وحيدا وهو في منأى عن الشاطئ، فهم يريد أن يرتدي فما أمسكه إلا أن رأى فتاة في ميعه الصبا وفورة الشباب تشق الموج شقا. ونظر الفتى ونظرت الفتاة ثم ابتسمت. واستولى الحياء على الفتى فأراد أن ينطوي عنها ولكنها حذرته أن يذرها وحيدة بين طيات الموج فاتأد واقتربت الفتاة وهي تقول (أنك سباح ماهر!) فهمهم الفتى يقول (شكرا لك). وصحب الفتى الفتاة على كره منه. واطمأنت الفتاة إلى الفتى حين أحست فيه شيئا ساميا ليس في شباب الشاطئ، أحست فيه الشهامة والهدوء والتأبي، فما بلغا الشاطئ حتى قد أخذت عليه موثقا أن يقطعا هذا الشوط معا كل صباح.
وصحا قلب الفتى حين وخزته النظرات الآسرة وحين غمره الحديث الرقيق، فما تعوق ولا تمنع.
ومرت الأيام تمسح بيد رقيقة على آثار الضيق في نفس الفتى لأن ابتسامة الفتاة الجميلة كانت تشرق في جنبات قلبه، وتمحو سمات الخجل من تاريخهلأن روح الفتاة كانت ترف رفيفا جميلا في ثنايا فؤاده، وتنزع عنه ظلمات الخواطر السود التي رانت عليه زمانا لأن جبين الفتاة لواضح كان ينير له السبيل وتحبب إليه الحياة على سيف البحر لأنه كان يستمتع هناك بالمتعة الخالدة. . . باستجلاء الطلعة المضاءة. ونسى صاحبي الدين. . . الدين الذي غل قلبه ولسانه حينا من الزمان ففقد اللذة والسعادة والمرح.