للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تصرفني عن التفكير في إخراجها إلى حين؛ إلى أن يقدر الله لهذه الأزمة أن تنجلي ولهذه الغمة إن تزول، ويجد القراء من وقتهم ومالهم وجهدهم ما يعينهم على قراءة الكتب التي تستحق بذل الوقت والجهد والمال! ماذا نفعل إذا كان القارئ العربي قد أصبح قارئ مقالة، يريد أن ينتهي منها وهو يحتسي قدحا من الشاي أو يترقب وصول الترام أو ينتظر قدوم صديق)؟

أجل يا سيدي! إنني لا أرى رأيك هذا ولا أفرك أنت ولا غيرك عليه، إذ لو فتشت في مطاويه ونفذت إلى خبايه فطالعك مستقبل الثقافة العربية أشد ما يكون علهلة وركاكة، ولا وجب أن تهيأ للغتنا الحية الأكفان وتشق لها الملاحد. . (لقد أصبح القارئ العربي قارئ مقالة يريد أن ينتهي منها وهو يحتسي قدحا من الشاي أو يترقب وصول الترام أو ينتظر صديق). . أجل، هذا حق. . وهذه ظاهرة صادقة. . اتخذتها أنت مقدمة صائبة إلى نتيجة خاطئة. إذ لم لا تكون هذه الظاهرة الصادقة نتيجة لا مقدمة؟ لم لا تكون نتيجة لنمو الوعي الثقافي وأثرا من آثار الإقبال على القراءة عامة وارتياد روافدها جميعا؟ أي أن القارئ لا يريد أن يترك حتى أضيق أوقاته وأسرعها خطى. . أوقات احتساء الشاي وترقب الترام وانتظار الصديق. . دون أن يشغلها بما يستدعيه المقام ويتطلبه مقتضى الحال؟ إنني لأسألك أنت بذات: ماذا تقرى في ساعة. . بل في دقائق احتساء الشاي وترقب الترام وانتظار الصديق؟ أتقطع هذا الوقت العابر بغير المقالة العابرة؟ أم تجد في مثل تلك اللحظات الخواطف ما يتسع لمعالجة مشكلة الأداء النفسي ودراسة علي طه وسارتر وتشريح جان جاك روسو؟

لا. . لا. . يا سيدي. فلتعد النظر في اتهامك مرة ثانية، ولتحسن ظنك بنا معشر القراء، فما زال في السويداء قراء، وما زالت سوق الأدب الثمين والفن المحلق تجد من الرواج والإقبال ما يهون معه بذل الوقت والجهد والمال، ومازالت لك - ودعني أخجل تواضعك - في نفوس القراء في جميع الأقطار العربية، مازالت لك تلك المنزلة الممتازة التي كشفت لك عنها الأديبة السورية المطبوعة وداد سكاكيني. ولا تحسبن حدثها ذاك من قبيل المجاملة. . بل هو الحقيقة التي يؤيدها الواقع. . الواقع الذي يعلمه الناس حق العلم ويعرفونه حق المعرفة. . فلا تظلم الواقع إذا ولا تظلم القراء، ولا تتأخر في أن تقدم لهم ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>