للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان في زمن الهجرة، عند مفترق الطريق. فأما وثوب وتقدم، واعتلاء ومجد، وإما إنكماش وتقهقر وتلاش وفناء!. . . فالوضع كان إذن، بالنظر إلى المسلمين العرب، أو العرب المتجددين، وضع موت أو حياة. فجاءت الهجرة محكا يميز الخبث من الطيب. ويفرق بين النفاق والإخلاص. ولا قيام لمبدأ قويم، ولفكرة صحيحة، إلا بجهود المخلصين من المؤمنين! فلا يتعلق أمر النجاح على الكمية، وإنما على الكيفية وحدها يتوقف النجاح في الجهاد.

فمعنى الهجرة أوسع مدى من أن يحصرها حديث، ولعلها تتلخص في إستلزام الجهاد لفكرتها بعد إيمان صحيح وعقيدة راسخة؛ ونجاحها في حسن اختيار الوقت الملائم مع الاستعداد التام للحوادث، وفي اكتشاف المؤمنين المخلصين والمؤمنات المخلصات، وفي الاعتماد على هؤلاء مهما قل عددهم؛ ولا اعتبار للكمية في الحياة. والهجرة مع ذلك كله عزم وإقدام وثبات وتضحية وإخلاص.

فهل لنا، وندائي للمواطنين في البلاد العربية جمعاء، مسيحيين ومسلمين. . . هل لنا وقد استدار الزمن وأصبحنا في وضع يجب فيه أن نتعاون جميعا على نهضة وطنية قومية صادقة، أن نستمد من معاني الهجرة قوة نستعيد بها المجد الضائع؟. . . أم سنظل على زهونا في ترديد الألفاظ وتبادل المجاملات، نتسابق في حلبة الإطناب في الأقوال، والافتخار بما نقول؟. . . كأني بنا وقد أصبحنا نرى أن لا واجب علينا بتجاوز حدود هذه الأقوال، والزهو بما فعل الأقدمون!. . . وقد أصبح الذكي العبقري فينا من يعرف كيف يستغل تلك الذكريات العظيمة لمصالح خاصة حقيرة، بالنسبة لما يجب أن يتحقق بها في ذات إنسانية الإنسان، من معان ومن أمجاد!. . .

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد بن عبد الله، وعلى صحبه الميامين، من مهاجرين وأنصار، وقد أمرتهم بالهجرة، فأجابوا داعي الله. اللهم اهدنا سبيلك، ووفقنا لتفهم حقيقة التحرر في معاني تلك الهجرة التي غيرت وجه التاريخ! وأرشدنا للعمل الصالح لنا ولجميع البشر، لتهنأ الإنسانية بالسلام والطمأنينة والسعادة! وأنقذنا، اللهم من قيود عقولنا، ومن استسلام نفوسنا، حتى ندرك معنى قولك، وقولك الحق، في كتابك المنزل -

(إن الله لا بغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

<<  <  ج:
ص:  >  >>