للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن حرية الإنسان في حياته، وللتضحية في سبيل حرية المواطن ' في بلاد ورثها عن آبائه وأجداده، ولمحاربة طغيان الأوثان، ومكافحة الظلم والاستعباد.

ولهذا كان على من يرغب في هذه الهجرة أن يستبقها بهجرة روحية، هي هجرة النفس إلى ربها، تحقيقا للآية الكريمة - (فآمن له لوط، وقال إني مهاجر إلى ربي، إنه هو العزيز الحكيم) وبهذه الهجرة يتحقق الإيمان الصحيح، دون التواء ولا نفاق.

وأنت إذا تأملت في آية الهجرة التي وردت في سورة البقرة - (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله). لوجدت أن الهجرة قد ذكرت بين حالتين - حالة الإيمان وحالة الجهاد. فالهجرة إذن، في حقيقة معناها نتيجة طبيعية للإيمان تستلزم الجهاد. وهي هجرة رياضة روحية، تتصل بها الروح بربها لتنقذ من قيود التقاليد البالية، ومن تعسف طغيان الأوثان، على أنواعها، وهجرة نشاط عملي يتنقل بها الإنسان إلى حيث يتسنى له الاستعداد للجهاد الذي تستلزمه، إنقاذا للحرية الإنسانية التي أرادها الخالق لعباده.

ولا فرق بين أن يكون المكان بعيدا أو قريبا، فالشأن كل الشأن في وجود الأنصار الصادقين، وفي التكتل والانسجام في إيمان صحيح، وبنية خالصة. وهذا ما جرى للرسول الأعظم وصحبه الميامين، تحقيقا لرسالته الإنسانية، المنسجمة مع حكمة الله في نواميس الحياة.

فليست أهمية هجرة الرسول في الانتقال من بلد إلى بلد، وإنما تتجلى أهميتها وتبرز أدق معانيها السامية في اختيار الوقت الملائم بعد تركيز عقيدة الإيمان، وتثبيتها في نفوس نساء ورجال، يتكونون بها تكونا إنسانيا جديدا، فيولدون ولادة ثانية، يتحررون معها مما يرسفون فيها من قيود التفكير والشعور، وينقذون بها من إرث الاستسلام لطغيان الأوثان: أوثان النفس في داخل كيانها، وأوثانها في صلتها مع كون هو خارج عن وجودها الذاتي، أي مع محيطها. أولئك النساء وأولئك الرجال هم أناس يعرفون كيف يبيعون نفوسهم في سبيل الله، أي في سبيل العقيدة التي انعقدت عليها قلوبهم في صميم الأفئدة، وفي سبيل المبادئ والمثل العليا التي تستلزمها تلك العقيدة. وبذلك وحسب تستكمل الأمم نهضتها وتحقق أمجادها. .

إن الإسلام وقد كان الحافز القوي للعروبة في وثبتها لتحرير البشرية، وفي نهضتها لتكوين حضارة إنسانية محررة، تصل الأجيال في ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ إن هذا الإسلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>