ومعاوية، ذلك النزاع الذي انتهى بقتل أبن أبي طالب كرم الله وجهه، واستقرار الملك لابن أبي سفيان، وظل معاوية في خلافة المسلمين عشرين عاما، وقد رأى قبل وفاته أن يجعل الملك وراثيا، فأخذ البيعة لابنه يزيد، ولكنه كان يعلم أن في المسلمين رجالا تتجه إليهم الأنظار، وتدين بحبهم القلوب، لذلك أوصى يزيد عند احتضاره فقال:(يا بني أني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وأني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك ألا أربعة نفر من قريش؛ الحسين ابن علي، وعبد الله ابن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك، وأما الحسين بن علي فأن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فأن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فأن له رحما ماسة، وحقا عظيما، وأما ابن أبي بكر فرجل أن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم، ليس له همة ألا في النساء واللهو، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد وبراوغك مراوغة الثعلب، فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير، فان هو فعلها بك فقدرت عليه، فقطعه إربا إربا).
وتولى يزيد الخلافة، ولم يكن بالخليفة المحبوب من المسلمين، فثارت عليه مدينة رسول الله، ولكنها لم تنجح في ثورتها، فهزمتها جيوش يزيد، ودخلتها، وأباحتها ثلاثة أيام. على أن أعظم حادث في عهد يزيد بل في عهد الدولة الأموية كله ما وقع للحسين بن علي وآل بيته، فان الحسين لم يرض عن سيرة يزيد وكان يرى أن من واجبه أن يجاهد هذا السلطان الجائر، المستحل لحرم الله، المخالف لسنة رسول الله، ووجد في العراق متسعا لدعوته، وميدانا لجهاده، بعد أن كثرت رسائل العراقيين إليه، يدعونه، ويلحون في دعوته، فما هو ألا أن انتهت أيام الحج من تلك السنة سنة إحدى وستين حتى خرج يريد الكوفة، ومع أن الحسين سمع في طريقه ما يشككه في نوايا أهل العراق وإخلاصهم إلا أنه كما قال الشاعر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
لما خرج من المدينة لحق به أحد كبرائها فقال: أين تريد؟ قال: أريد العراق، قال له: ارجع، فأبى، فقال: أحدثك حديثا ما حدثت به أحدا قبلك، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وأنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد