من أهل بيته أبدا، وما صرفها عنكم ألا لما هو خير لكم، فارجع فأنت تعرف غدر أهل العراق، وما كان يلقى أبوك منهم، فأبى الحسين، فاعتنقه وقبله وبكى، وقال: استودعتك الله من قتيل!
ولما خرج من مكة لقيه الفرزدق الشاعر مقبلا من العراق، فقال: إلى أين يا حسين؟ قال: إلى الكوفة، قال: ارجع فمالك فيها خير، قال: بين لنا خير الناس، قال: قلوب الناس معك، وسيوفهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. فقال الحسين: لله الأمر، يفعل ما يشاء. ثم حرك راحلته وسار، وما لاقى الحسين في طريقه أحدا يعرف إخلاصه وصدقه ألا نصحه بالرجوع، وأكد له أن ليس له في العراق خير، ولكنه عزم وصمم لأمر أراده الله، والله بالغ أمره.
كان الحسين في عدد قليل من أصحابه لا يبلغ المائة، وكان جيش العراق الذي قابله أربعة آلاف، فوجد أنه لا طاقة له بالقتال، فعرض عليهم أن يقبلوا منه واحدة من ثلاث، أما أن يرجع إلى مكة، أو يذهب إلى يزيد الخليفة في الشام، أو يذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين يحارب فيه حتى يموت، وهنا تظهر الأحقاد القديمة، فيتمثل ابن زياد بقول الشاعر:
الآن إذ علقت مخالبنا به ... يرجو النجاة ولات حين مناص
فلا يقبل الجيش منه إلا أن يذهب إلى الوالي عبيد الله بن زياد ليرى فيه رأيه. يا سبحان الله، الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة الزهراء صاحب السبق والسابقة في الإسلام يذل فيكون أسيرا في يد ابن زياد الذي لا يعرف له نسب! لذلك أبى الحسين - وكان أبياً - أن يجيبهم إلى ما طلبوا، وقال: كلمته النبيلة: لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد. ثم تظهر الأحقاد القديمة مرة أخرى، فيكتب ابن زياد إلى قائد جيشه: أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. فحالوا بينه وبين الماء، ذلك الماء الذي يشرب منه اليهودي والنصراني والمجوسي يمنع منه ابن بنت رسول الله! ويعجبني ما كان يفعله الصاحب بن عباد، فانه كان إذا شرب ماء باردا حمد الله ثم قال: اللهم العن من منع الحسين الماء.
وجد الجد، وأمكن الناس دم الحسين، ولكن أكثرهم تهيبه. ومن قبل عرض علي والي