المدينة، وكان ابن عم الخليفة أن يقتل الحسين أن لم يبايع فقال: والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس من مال الدنيا وملكها، وأني قتلت حسينا. سبحان الله! أقتل حسينا أن قال لا أبايع، والله أني لأظن أن أمرا يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان.
وقد طال تردد رجال الجيش، وكان كل واحد منهم يتمنى أن يبوء غيره بدم الحسين، حتى تقدم شقيهم فأصاب الحسين، ثم تقدم الأشقى فذبحه - رضي الله عنه - كما تذبح الشاة.
وتصور لنا كتب التاريخ ما أصاب الذين اشتركوا في دم الحسين، فقد كان دمه شؤما على كل الذين أصابوا منه، فالفارس الذي احتز رأس الحسين لم يمهله الله إلا ليلة واحدة، فانه حمل الرأس، وذهب جذلان فرحا إلى والي الكوفة، وهو ينشد:
أوقر ركابي فضة وذهبا ... أني قتلت الملك المحجبا
خير عباد الله أما وأبا
فقال له الوالي: يا أحمق، إذا كان خير عباد الله أما وأبا فلم قتلته؟ اضربوا عنقه. والفارس الذي منعه الماء مات عطشان بالرغم من أنه كان يسقى الماء حتى يبغر، ثم يعود يشرب حتى يبغر، وما زال كذلك حتى لفظ أنفاسه. والشقي بحر بن كعب - وقد سلب الحسين لباسه - كانت يداه في الشتاء تنضحان الماء، وفي الصيف تيبسان كأنهما عود. وأما عمر بن سعد قائد الجيش فقد قتل - فيما بعد - في داره. وأما عبيد الله بن زياد والي العراق فقد قتل في ثورة المختار الثقفي، وذهبوا برأسه إلى علي بن الحسين فوصلوا إليه ظهرا، وهو يتغدى فقال: سبحان الله، ما اغتر بالدنيا إلا من ليس لله في عنقه نعمة. لقد أدخل رأس أبى علي عبيد الله بن زياد وهو يتغدى. وفي بعض الكتب أنه لما انتهب عسكر الحسين وجد فيه طيب فما تطيبت به امرأة إلا برصت. ثم خرجت الخلافة من أسرة معاوية بعد قليل، وكذلك كتب عبد الملك بن مروان لقائده الحجاج يقول: جنبني دماء أهل هذا البيت، فإني رأيت بني حرب سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين.
(وبعد) فإلى أي حد بلغت فظاعة هذه الجريمة؟ أن بعض السلف يجيبنا عن ذلك فيقول: لو كنت فيمن قتل الحسين ودخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يجيبنا عنه بعض اليهود حيث يقول لبعض المسلمين: أن بيني وبين داود سبعين أبا، وأن اليهود إذا رأوني عظموني وعرفوا حقي، وأنه ليس بينكم وبين نبيكم ألا