لقد قرأت خبر نكبته وفعلته ووضعت أمامي ما كتبه هذا الزعيم في أوائل الحكم الشيوعي: -
لقد كان من نتائج هذه الحرب (١٤ - ١٩١٨) أن تزعزعت أركان الرأسمالية فأخذت تنهار، وها نحن نبرز إلى الوجود بجرأة وعزم فلا يمكن لقوة في العالم أن تقهرنا. ألا يشبه هذا ما يقوله دعاة السوفييت اليوم؟ إنهم يحلمون بالثورة الكبرى كما كان يحلم تروتسكي، ويرددون قوله: إن السور المحكم الذي يحاول الأعداء من قوى الاستعمار والرأسمالية أن يحيطونا به، سنحطمه تحطيما. . . أنهم ستأخذهم رجة واحدة وسوف تلبي الجموع دعوتنا وتأتي صفا صفا إلينا، لإنشاء العالم الجديد؛ بإرادة لا تعرف التراجع، لأن القوة العمالية المركزة تحت عزيمة ثابتة لن تقف أمامها عقبة. ولن يحول دون انتصارها حائل. وهكذا استمر الزعيم يتنبأ كتنبؤات بني إسرائيل فقال:(ألا فأعلموا. أن التاريخ يحارب في صفنا، والزمن حليف لنا، أن الثورة الاشتراكية ستنشب حتما في كل من أوربا وأميريكا، مهما بعد الزمن أو قرب) ومر الزمن فلم يحدث شيء من ذلك. لقد أسكرت نشوة الظفر تروتسكي فإذا بنى الشيوعية يغرق في غمرات الأحلام والآمال، وبقى راديو موسكو يردد نبوءات تروتسكي ثلاثة وثلاثين عاما، ولم تقم الثورة العالمية الكبرى، ولم ينشب الجموع أظفارهم في رقاب الطبقات الحاكمة: لقد كان تروتسكي يقيس العالم بما رأته عيناه في روسيا، فإذا بها تنفرد وحدها في طريق والعالم في طريق آخر: -
لقد مات تروتسكي، وإذا بأحلامه أبعد عن التحقيق اليوم من سنة ١٩١٧، وإذا نحن في بداية النهاية. إن الثورة التي أحسن أدارتها من مكتبة في مدرسة بالعاصمة الروسية سنة ١٩١٧ قد خمدت وهي تتطور وتسير نحو الانكماش، وقد يأتي يوم تسير فيه إلى المنفى كما سار هو من قبل.
كان كارل ماركس ولينين من جبابرة الفكر، وكان تروتسكي من جبابرة الثورة، وقد تركوا من الأنقاض والخرائب في الروسيا وغيرها ما يشغل جيلا، أنها خسائر المادة. أما ما تركوه من الآلام وضياع الآمال فلا سبيل لإصلاحه. إنها كانت تجربة قاسية دفعت ثمنها الإنسانية غاليا (وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم رشدا).