يخرج من كل ذلك أنه الصانع الأول وصاحب القدح المعلى في ثورة نوفمبر ولولاه هو لما قامت ثورة البلاشفة).
ترى لو تركوه ماذا كان يحدث في أراضي السوفييت؟
سؤال لم يترك له الوقت لأنه ما لبثت أن انقلبت الصحافة عليه، في أنحاء الاتحاد السوفييتي تدعو إلى جمع كتبه وحرقها وقالت:
(أنه كشف النقطة الضعيفة في درعه. . . أن الثائر للكبير قد تملكه الغرور، وهو داء رأسمالي لا يعرف طريق الولوج إلى قلوب الثوار، أن تروتسكي يحاول أن تقتن به الناس وأن تخضع لعظمته الجماعات، أن طابع الغرور والأنانية ومحبة الذات من بقايا العصور البائدة، أما رجال الثورة فيعيشون من أجل الثورة لا من أجل أنفسهم). ثم تساءلوا. . .
(من هذا القزم الذي يحاول أن يضع نفسه على مقعد الزعماء الخالدين؟ فيحط من قدر إخوانه وزملائه في الجهاد، ويحاول أن يجعل من مقاييس الثورة المنبثقة من تطور التاريخ وكفاح السوفييت وتأييد الجماعات، غشاء لا رضاء نفس متحيرة مترددة ضعيفة. . .)
(أنها نفس تقبل على عاتقها أن تحط من جلال عمل كبير، وأن تنسب إلى جهودها إخراج المستحيل والوصول إلى عظائم الأمور وأصعبها وأنه (لولاها لما قامت للثورة قائمة).
(أن هذه النفس مريضة وفيها بقايا الإنسان الرجعي)
ويعذرني القارئ إذا قلت أن تروتسكي لقى جزاء سنمار بعد هذه الحملة التي جعلته عدوا للنظام القائم الذي أخذ يتتبع أنصاره واتباعه ويبعدهم واحدا بعد الآخر عن مناصب الدولة.
ثم جاءت الخاتمة. نعم أن الرجل الذي أفنى عمره في سبيل الثورة وأتاه نبأ احتضار والده، وهو يرأس لجنة شؤون الحرب بقصر الكرملين، لم يشأ أن يوقف عمل اللجنة ليودع والده الوداع الأخير، بل استمر في رئاستها يناقش أعضائها.
وجاء وقت دفن أبيه فلم يشأ أن يقوم من مقعده. أنه يعتبر نفسه قد تحرر من أمراض الرجعية، ويريد أن يضرب بنفسه مثلا لما يجب أن يكون عليه رجل الثورة الذي لا تشغله الغرائز ولا تجد العواطف أو الواجبات مدخلا لقلبه، ولكن ماذا كانت خاتمته؟ كانت النفي والتشريد ثم القتل بعيدا عن الثورة، وعن الفردوس الذي تصور أن يقيمه بيديه، وانتهت حياته في المكسيك، ولم يحظ برثاء أو تقدير من هذا النظام الذي أقامه وتعهده وكافح من