للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها العلم. . وقبل أن أمضي في طريقي لأعرض عليك أدوار هذه القضية، أود أن أقف لحظة لأخفض قلمي تحية للسيد نجيب الراوي، هذا الرجل الفاضل الذي يسعدنا نحن المصريين ويثلج منا الصدور أن يكون اليوم بيننا ممثلا لبلاده أخفض قلمي تحية له لأنه عطف على عبد القادر حين لمس في شعره الموهبة وطالعته منه دلائل النبوغ، فأشفق على الفن أن يختلق في الظلام فأخرجه إلى رحاب النور، وبعث به إلى باريس ليتعلم على نفقته الخاصة. . لم يظن السيد نجيب الراوي على الشاعر بماله، بل جعل من هذا المال حقا كريما لأصحاب المواهب والملكات. وأوشك أن يزيد من فضله حين عزم على أن يشرك الدولة في تقديره لرسالة الفن، وذلك بأن تقدم وزارة المعارف لهذا الشاعر منحة سنوية تعينه على استكمال دراسته في أروقة السوربون، ولكن الأقدار تتدخل فتحول بين الوزير وبين أن يحقق للشاعر ما كان يتطلع إليه من الأمل المرتقب في ظلال الوعود.

استقالت الوزارة التي كان فيها السيد نجيب الراوي وزيرا للمعارف قبل أن يتم التصديق على الميزانية التي أدرج فيها الوزير تلك المنحة السنوية للشاعر، وأعقبتها في الحكم وزارة السيد توفيق السويدي التي أحلت محل السيد الراوي وزيرا آخر هو السيد سعد عمر. ومن باريس كتب الشاعر إلى الوزير الجديد يشكو إليه حاله، حال المكافح الباسل في طلب العلم حين تقسو عليه الحياة وهو غريب الأهل والدار، حال المواطن الصادق حين يفزع إلى وطنه مطالبا ببعض ماله على هذا الوطن من حقوق! ولكن العراق ممثلا في شخص الأستاذ سعد عمر لم يستمع لصرخة الفن الشهيد يطلقها عبد القادر، فأغلق دونها منافذ القلب والسمع والشعور. . واستمر عبد القادر يكافح، يكافح وحيدا، لا يد بالعون تمتد إليه، ولا صديق بالذكر يعطف عليه، ولا نسمة رخية من أنسام الوطن البعيد ترطب من حوله جفاف الحياة. وحين فقد آخر منحة من فيض السيد نجيب الراوي، وأخر أمل في إنسانية السيد سعد عمر، وآخر مورد من موارد الرزق الشريف، وآخر قطرة من سيل العرق والدموع قفل راجعا إلى العراق. . قفل راجعا ليبكي (شبابه الدامي) على صفحات الرسالة!!

واليوم تنطلق هذه الصرخة المدوية ومعالي الأستاذ خليل كنه وزير المعارف في العراق. ماذا أقول لهذا الرجل الممتاز وأبصارنا شاخصة إليه وأفكارنا متعلقة به؟ أقول له تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>