الكلمات التي قلتها في هذا المكان منذ أيام، وهي أن عبد القادر وتر من الأوتار الصادحة بأنغام الحق والخير والجمال، فلماذا يريد العراق لهذا الوتر أن تخمد أنغامه وهو يغني له ويتغنى به؟ أهو يضيق بصوت الحق فلا يسمع، وبمعنى الخير فلا ينظر، وبسر الجمال فلا يطرب وبصرخة الفن الشهيد فلا يستجيب؟! أنها مأساة. . أن أرى العراق يحول بين أحد شعرائه وبين نور العلم، وهو بهذا النور سيضيء لوطنه أقباس الأمل ومشاعل الرجاء!
أننا نعيذ العراق من مثل هذا الاتهام في عهد هذا الرجل المثقف الممتاز. . خليل كنه! أن عبد القادر يا سيدي منكم منصبا من المناصب، ولا لقبا من الألقاب، ولكنه يطلب منكم أن يغترف من مناهل العلم، وهذا - كما قلت أيضا بالأمس - هو أقل ما يجود به وطن على فنان!
ترى هل أنتظر لهذا الشاعر خيرا على يديك؟ إنني أريد أن أسجل لك هذه المنة على صفحات (الرسالة)، وأذهب إلى أبعد من هذا حين أربد أن يسجلها لك تاريخ الأدب. . صدقني أن تاريخ السياسة ليغفل أحيانا عن تسجيل بعض المآثر لبعض الممتازين، ولكن تاريخ الأدب من الوفاء بحيث لا يقفل عن أمثال هذه المآثر حين يعرض لها بالذكر الجميل. وهذا هو موقف التاريخين من وزير المعارف المصري محمد محب، حين غفل عن مأثرته التاريخ الأول وذكرها التاريخ الأخير. . محمد محب الذي أكرم الفن في شخص حافظ إبراهيم حين أنتشله من مهاوي البؤس فكرمه تاريخ الأدب وعطر بمداد التقدير خلقه وذكراه!
أن تاريخ الأدب العربي الحديث لا يذكر حافظا إلا وذكر في مجال الحديث عنه محمد محب. . لأن هذا الرجل الكريم كان نفحة صادقة من نفحات الكرامة العقلية في مصر؛ الكرامة الوفية للخلق والمخلصة للقيم، حين تنشد في ضوء المثل العليا أقدار الرجال! وأي وفاء للخلق وأي إخلاص للقيم أصدق من أن يمد هذا الوزير المصري يد العطف والرحمة إلى حافظ إبراهيم لينقله من حياته المشردة في الشوارع والقهوات، إلى حيث يوفر له من رغد العيش واستقرار النفس وراحة الجسم ما يليق بمكانة شاعر. . هناك حيث قدر لحافظ إبراهيم أن يكون مديرا لدار الكتب المصرية؟!