فيه إلى غرض محدود ويوجه تخيله في طريق معين ويجعله تحت رقابة عقله فيكون شاعرا كل الشعور بالعناصر التي يختارها، وأنه يوجه عملية التخيل نحو غرض معين، وهذا الغرض هو الذي يتحكم في اختيار العناصر والصيغة النهائية التي تصب فيها، ودرجة الإنشاء والاختراع فيه تختلف اختلافا كبيرا حسب اقتراب التخيل من الممكن أو بعده عنه. وكلما بعد التخيل الإيجابي عن الممكن اقتراب من الأوهام والوساوس.
وأما الإلهام فهو كما يقول النفسيون أيضا: يقولون هو التخيل اللاشعوري الذي يبرز فجأة من اللا شعور فيتجلى في الشعور واضحا بدون أي جهد يصرفه في سبيل تبيينه واستجلائه.
وهذا الظهور الفجائي ليس فجائيا كما يظن؛ وإنما هو نتيجة عمل طويل للا شعور، فعدم الشعور بالجهد فيه هو الذي يجعلنا نراه فجائيا ونعده إلهاما ووحيا وهذا الإلهام يسبق كل تحليل وتركيب فيمن الخاطر للعبقري، فجأة ثم يأخذ هو في تحليله وتركيبه من جديد.
ولنسمع بعد هذا كله ما يقوله الغزالي في هذه المواضيع يقول - لو فرضنا حوضا مجفورا في الأرض ويحتمل أن يساق إليه الماء من فوقه بأنهار تفتح فيه، ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض إلى أن يقرب من مستقر الماء الصافي فتفجر الماء من أسفل الحوض ويكون ذلك الماء أصفى وأدوم. وقد يكون أغزر وأكثر، كذلك العقل مثل الحوض، والعلم مثل الماء، والحواس الخمس مثل الأنهار وقد يمكن أن تساق العلوم إلى العقل بواسطة الحواس، وقد يمكن أن تسد هذه الأنهار؛ بالخلوة والعزلة فيعمد إلى عمق العقل حتى تنفجر ينابيع العلم من داخله. ويقول أيضاً إن العقل تحصل فيه حقيقة الشيء تارة من الحواس مما سماه اللوح المحفوظ - أي من العقل الباطن - كما أن العين تحصل فيها صورة الشمس تارة من النظر إليها وتارة من النظر إلى الماء الذي يقابلها ويحكي صورتها. فإذا للنفس بابان باب مفتوح إلى الحواس الخمس، وباب مفتوح إلى العقل الباطن. وأما انفتاح النفس للاقتباس من الحواس الخمس فلا يخفى على أحد أما انفتاح الباب الداخلي فيعرف يقينا بالتأمل في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل وما كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحواس.
ولنسمع الغزالي يتحدث عن حصول العلوم بالتجارب والتفكير في عقل الإنسان يقول: إن