يقصد بها إلى وضع أي سلام شريف دائم، ولكن أريد بها تحطيم قوى الأمم المغلوبة وتمزيق وحداتها القومية دون مراعاة الحدود الجغرافية ووحدة العناصر وتراث التاريخ، فجاءت كالبركان الصامت يضطرم في خفاء ولكن تسري ناره تحت الهشيم وغدت اعظم عامل في إثارة الأحقاد والأطماع القومية، وخلقت مشاكل الحدود والأقليات الشائكة في طول أوربا وعرضها ومهدت إلى هذه الأزمة الشاملة التي تهب ريحها اليوم على أوربا منذرة بشر العواقب وكما أن الأزمة الدولية الكبرى التي اجتمعت أسبابها قبيل الحرب قد لقيت نذير انفجارها في مأساة سيراجيفو، فكذلك تلقى الأزمة الدولية الحاضرة نذيراً خطراً في مأساة مرسيليا، وإذا كانت الحكومة النمسا الإمبراطورية قد رأت يومئذ أن تحمل الحكومة السربية تبعات هذه الجريمة الرائعة، وان ترتب عليها من المطالب الفادحة ما ثارت له روسيا وعجل بوقوع الكارثة، فكذلك ترى حكومة بلغراد أن تحمل الحكومة المجرية تبعة جريمة مرسيليا، إنها تأوي في أرضها عدداً كبيراً من اللاجئين الكرواتيين، وتتقدم إليها بمطالب ترى فيها افتئاتاً على سيادتها؛ وقد يكون ثمة فارق بين وقع الجريمتين في سير الأزمة الأوربية، ولكن الذي لا ريب فيه هو أن جريمة مرسيليا من اخطر العوامل في تفاقمها. فسلام أوربا وربما سلام العالم في خطر لا ريب فيه، وذا تركت الأمور في مجراها الحاضر ولبثت الأحقاد والأطماع القومية على حالها مطلقة العنان، وإذا لم تتضافر القوى النزيهة المخلصة لقضية السلام وتقف سداً منيعاً في وجه هذا التيار الخطر فسوف نشهد في القريب العاجل انفجار البركان المروع مرة أخرى.