قلت: معذرة. . . لقد غيرت الأيام من سحنتك وبدل الزمان من هيئتك، حتى أضحيت شخصاً غير الذي كنت اعرفه أتدري ما فعل الخريف في الشجرة المورقة الفينانة؟ أتعلم ما ينتابها من تساقط أوراقها وتراجع أغصانها وتقلص ظلالها. . .؟ أن ما يصيبها يا صديقي في تلك الآونة لأهون والله مم أصابك في خريف حياتك، ولئن كان لتلك الشجرة ربيع تستعيد فيه ما فاتها وتسترجع فيه أسباب الحياة، فهيهات أن تجد لنفسك ربيعاً يبدل من حالك بعد هذا الجدب الذي أصابها. وحسب الأيام منك الآن إنها ستقف عند الحد الذي وقفت عنده فلا هي بدافعة بك إلى الأمام لأن النمو من خصائص الطبائع الحية، ولا هي بقاذفة بك إلى الخلف لأنك في قرار الهوة. . . ولطالما مدت إليك حبال النجدة وقد فتلت من خيوط الرحمة والعطف والصفح والمروءة. ولكنك أبيت إلا أن تقطعها بأسنة الجمود والنكران والرياء والختل، فربطت مصيرين بمصيرك وقتلت نفسين وأسأت إلى نفسك
قال: مهلاً، فقد بدأتني قبل أن أبدأك، وأوغلت في القول وما تركت جارحة إلا وأرسلتها تنهش في نفسي واراني قد جئت لأغسل إهانة فأتبعتها بأخرى وأتيت لأرد سهماً فأصابتني منك سهام ولا ادري من سبب يجعلك مني في هذا الموقف العنيد سوى انك كنت تنظر بعين واحدة في قصتي وتسمع بأذن واحدة. وليس ببعيد على المرأة التي تدفع العالم بيدها الرقيقة دفعاً شديداً في غير رفق ولا هوادة أن تكون قد سكبت سمومها في نفسك فجعلت منك نصيراً لقضيتها، وهي إذ تكسبك إلى جانبها تدفعك في الواقع عن طريقها
لقد خلصت زوجتي من براثن أبيها ولكنها منذ اللحظة الأولى وهي تريد أن يصرع رأيها رأيي وان تقف رغبتها دون رغبتي، فإذا قلت قولاً أبدت نقيضه وإذا أديت فعلاً امتعضت منه، كأن الله قد جعل القبح من نصيبي في القول والفعل، أو كأنه وضع كل الجمال بين شفتيها وعلى أطراف أناملها ليكون غلافاً حسناً لكل ما تقوله أو تعمله. . . . . . أردت لها الحجاب فأعلنت السفور وأخذت عليها العناد فأنكرت عليّ هذا الحق وأحببت أن تكون كما أريد فشاءت أن تكون كما تحب. وكان لي صديق احبه واعزه ويزورني في منزلي وأتردد عليه في داره فوشت لي به وفي سورة الغضب كدت اقتله ولولا قرائن في براءته وحزم في تفكيري لكان هذا الصديق اليوم وديعة القبور وكنت أنا نزيل السجون. . . كان من اثر كل هذا أن أحسست بآمالي ترتطم بصخرة قاسية وشعرت بالأفق العريض تضيق دائرته