ألم يكن موقفه المعروف من تعيين صديقه الحميم المغفور له الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخا للأزهر غريبا في مألوف هذا العصر الذي أبطل الحق بالمجاملة، وعطل القانون بالمحاباة؟ لقد كان الحق أعز عليه من الصداقة، والقانون أقوى لديه من الحكومة. وفي سبيل الحق والقانون تعرض الشيخ لما يتعرض له الأحرار الأبرار من طغيان الهوى وسلطان القوة.
مثل هذا الرجل، بهذا الدين، وفي هذا الخلق، وعلى هذا العلم، جدير بأن تناط به الآمال في إنهاض الإسلام وإصلاح الأزهر؛ لأنه بفضل دينه لا يؤتى من قبل نفسه، وبفضل علمه لا يؤتى من قبل قومه، وبفضل خلقه لا يؤتى من قبل سلطانه.
تحدث الأستاذ الأكبر عن منهاجه الإصلاحي في مؤتمر صحفي عقده في دار المشيخة قال:(إن مهمة الأزهر ذات شقين: أحدهما - تعليم أبناء المسلمين دينهم ولغة كتابهم تعليما قويا مثمرا يجعلهم حملة للشريعة، وأئمة الدين والفقه، وحعاظا حراسا لكتاب الله وسنة رسوله وتراث السلف الصالح. أما الآخر فهو القيام بما أوجبه الله على الأمة من تبليغ دعوته وإقامة حجته ونشر دينه؛ وأنه على رعاية هذين الشقين يجب أن تقوم خطة الإصلاح في الأزهر، وأن يعمل العاملون على تحقيق آمال الأمة فيه).
أما السبيل إلى إصلاح خطة التعليم (فمبدأها أن يكون العلم هو الغاية، والتزود من المعرفة هو الشعار. والعلم الذي أقصده هو الذي يطبع صاحبه بطابع الفضيلة والخلق الكريم، وتظهر آثاره في الأشخاص وأعمالهم، قبل أن تظهر في كتابتهم وأقوالهم. والوسيلة إلى ذلك هي العناية بالكتاب فستؤلف لجان من جماعة كبار العلماء وأساتذة الكليات والمعاهد، والمختصين في شؤون التعليم، لمراجعة الكتب الدراسية واختيار لون جديد يوجه الطلاب توجيها حسنا إلى العلم النافع من أقرب طريق وأيسره) وأما السبيل إلى تبليغ الدعوة فوجهته ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية وكتابة أبحاث في الفقه تساير الروح العلمي الحاضر، وتبرز ما في الشرع الإسلامي من مبادئ العدل والرحمة؛ ووضع مؤلفات في اللغات الأجنبية تكشف عن حقيقة الإسلام وتعرف بمزاياه؛ ثم العناية بالبحوث الإسلامية لتفقه الناس في الدين، وتوثق العلائق بين المسلمين. . .)
تلك هي المقاصد العامة لخطة الإصلاح نذكرها اليوم مجملة، لنعود إلى درسها وتحليلها