الممكن بعد ذلك معرفة حاجة كل بلد من الثقافة الإسلامية لونا وقدرا.
٥ - والأزهر، مع ذلك كله، جامعة، بل أقدم الجامعات العالمية وأمجدها تاريخا، ولكل جامعة طابعها وأهدافها وتجاربها وتطوراتها، وربما شركتنا بعض الجامعات الأخرى، في الشرق أو الغرب، في بعض ما نهدف إليه من غرض وغاية، وإن خالفتنا في الطرق والوسائل. على الأزهر إذا باعتباره جامعة عالمية أن يحرص على الاتصال الصحيح بهذه الجامعات، وإنه لواجد ولا ريب من ذلك خيرا كثيرا: تعاون في الوصول إلى هدف مشترك، وقوف على تطور بعض العلوم التي نعني بدراستها وعلى ما جد فيها من حقائق جديدة، إلى غير هذا وذاك مما نربحه من اتصالنا الحق بهذه الجامعات وهنا أيضا مجال كبير لنشاط مراقبة البحوث الفنية.
وبالإجمال، إن للأزهر رسالة يؤديها للأمة الإسلامية في مصر، وأخرى خارج مصر.
إن عليه في مصر أن يخرج للأمة جيلا من الناس يتميز بفهم الإسلام وتعاليمه الأصيلة فهما عميقا؛ كما يتميز بعدم الاحتفال بالدنيا وزينتها، وبالحق يصدع به وإن أغضب هذا أو ذاك، حتى ليستطيع الواحد منهم أن يقول كما قال سلف له من قبل: إن الذي يمد رجله لا يمد يده. إن مصر في حال انحلال خلقي، وتنأى عن الدين وتعاليمه كل يوم بخطى رتيبة وليس يمكن أن تخرج من هذا الحال الأليم إلا بالأزهر حين يربي رؤساؤه ناشئته على القول الحق والعمل الطيب.
وإن على الأزهر خارج مصر، متى تم له إعداد هذا الجيل يستعين بأبنائه في الدعاية للوطن والتبشير بالإسلام ونشره في كافة أرجاء الأرض. إن أفراد هذا الجيل يكونون سفراء لمصر والإسلام ينفذون بأقوالهم وأعمالهم إلى القلوب، ويصلون إلى الأوساط التي لا يمكن للسفراء الرسميين الوصول إليها، ومن هذا يكون لهم من التأثير الحسن الحاسم ما لا يكون مثله لهؤلاء.
كلنا نعرف أن هناك في العالم المسيحي ملايين وملايين من الناس ضاقوا ذرعا بالمسيحية وأسرارها التي تعجز العقول، وصاروا لا يستطيعون التوفيق بين حضارتهم القائمة على المادة والقوة وبين وصايا المسيحية القائمة على التسامح والروحية. إنهم لهذا وذاك يلتمسون دينا آخر يسير على العقل فهمه، وفيه من المادة ومن الروحية، ويرون أن هذا