البعيد. . وكأن النبوغ في رأيهم لا يحسب بعدد المواهب والملكات، وإنما يحسب بعدد السنين والأيام!!
وها هي أمواج الأثير تنقل الصدى في ذلك الحين من مصر إلى لبنان، فتهز عواطف الشعر في نفس إلياس أبي شبكة، وتشحذ بين يديه شباة القلم، وتطلق من بين شفتيه هذه الكلمات:(ولن أكلف نفسي مشقة إفهام خصومه لماذا أحب شعره ولماذا أحبه. . فإذا كان شعره لا يستطيع أن يضع في عيون أولئك الخصوم نورا، وفي أنوفهم عطورا، وفي قلوبهم شعورا، فلن يستطيع لساني)!!
كان ذلك بالأمس. . أما اليوم، وقد انقضى على وفاة علي طه عام في حساب الزمن، فلا أظن أن الموت قد مسح بيد النسيان ما علق ببعض النفوس من أحقاد. ذلك لأن الموت حين أخذ علي طه لم يستطع أن يأخذ شعره. . وبقى هذا الشعر راسخا في الضمائر، ماثلا في الخواطر، نابضا في القلوب! وأهتف في يوم ذكراه كما هتف إلياس أبو شبكة منذ أعوام: (فيا خصوم علي محمود طه: ستموتون ويبقى هو حيا، فغراب الموت البشع ينعب في سطوركم، وعروس الحياة الجميلة تحلم في قصائده٩!!