للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتأمل الأحياء؛ فقد دخل على أم أنس بن مالك فوجد ابنها أبا عمير حزينا مغتما فقال لها: (يا أم سليم ما بال أبي عمير حزينا؟) قالت: يا رسول الله مات نغيره (عصفوره) فتلفت النبي إليه وقال: (أبا عمير ما فعل النغير؟) وكان كلما رآه قالها له مداعبا.

ولا شك أن نوع اللعبة تحدده الغريزة الجنسية. كما أنها تستجيب لغريزة حب الاستطلاع، ثم هي مجال طبيعي يتعرف فيه الناشئ على خصائص الحيوان، وفيه تمتد آفاق الخيال، وتتكشف الانفعالات والعواطف نحو الحياة والأحياء في أبسط صورة.

وغريزة اللعب هذه ملازمة للإنسان من المهد إلى اللحد لا تبرح سلوكه ولا ينفك عنها نشاطه.

فلا تعارض بين اللعب والسن مهما يكن من هيبة ووقار.

فقد دخل النبي على عائشة وعمرها تسع سنين، وكانت لعبتها في يدها، ومعها صواحبها في أرجوحة بين نخلتين، فأنزلتها أمها من الأرجوحة لتزفها إلى رسول الله.

ولم تنس عائشة لعبها بعد أن أصبحت زوجة فهي تقول (قدم رسول الله من غزوة تبوك أو حنين فهبت ريح فكشفت ناحية من ستر على صفة في البيت عن بنات لي فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: بناتي، ورأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع. قال: وما هذا الذي أرى وسطهن؟ قلت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت. جناحان. قال: جناحان؟! قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه)

والإسلام يقر اللهو البريء الذي لا يفسد الطبع ولا يصرف عن الجد، وما أصدق روح الإسلام في بيت البارودي إذ يقول:

سواي بتحنان الأغاريد يطرب=وغيري باللذات يلهو ويلعب

إلى ما في هذه القصيدة من اعتزاز بالدأب على طلب العلا، وافتخار بنفس أبية لها بين أطراف الأسنة مطلب، ولها مع الوحوش صراع، فلا عجب إذا أصغرت هذه الهمامة كل مأرب.

واستقبلت جويريات بني النجار رسول الله بالمدينة بالأناشيد والمعازف؛ كما أخذ الأحباش يلعبون بالحراب بين يديه، وأخذت جاريتان تضربان بالدف في بيته فلم ينكر عليهما ذلك حتى إذا دخل أبوبكر منعهما فقال له النبي: دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>