والخلاصة أن الإسلام عندما اقر البريء من العاب العرب وشذب بعضها لم يهدف إلى اكتناز العضلات وصلابة العود، ولم يقصد إلى إطالة العمر، ولم يدفع إلى المضارة على الضعيف بالتذرع بحجج أوهى من نسيج العنكبوت مثل (شعب الله المختار) وإنما وضع الرياضة البدنية موضع الاعتبار بأن جعلها (تربية) ذات غرض نافع وهدف رافع.
كان عصر إسيرطة يعد الفتيان للحرب كفاية تقصد لذاتها، وكان أبناء الرومان يقاسون زمهرير الشتاء وذل النفس لينشئوا قساة القلوب غلاظ الأكباد، أما الأسبان فقد جرت دماء الوحشية في عروقهم إذ اتخذوا من (مصارعة الثيران) مسلاة وملهاة، كلما رأوا اللاعب ينجو من غدر خصمه (الثور) عاجله بطعنة من خنجره فيخر مضرجا بدمائه.
والحق في جانب العرب في الحكم لهم بارتفاع الغريزة عما يشينها من حيوانية صارخة وشهوة عارمة، فهم قد عرفوا رياضة الإنسان وترويض الحيوان، فلما طالعهم الإسلام أحل الله لهم صيد البر والبحر وحثهم على الرفق في الأمر كله، ونهاهم عن المثلة ولو بالكلب العقور فكانوا طرازا نادرا في البطولة والرجولة.
طيروا الحمام الزاجل إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس. وأطلقوا الصقور بين يدي نبالهم تنقض على الصيد المباح، وامتلكوا نواصي الخيل. واعتلوا صهواتها. فأكرموا غاية الإكرام وركبوا سفينة الصحراء تشق بهم الوهاد والنجاد. وتربصوا للأسود الضارية والأفاعي الحاوية، فصرعوها في كهوفها، فتطهرت السبل من أذىالإنس والجن.
وكانت العاب العرب في جملتها وتفصيلها مسايرة لمطالب الطبع البشري، فلم يقهروا الغريزة قهرا، - ولو أرادوا لفعلوا - ولم يهربوا من الطبع الغلاب، بل واجهوا الحياة بما هو في الإمكان للسير بها قدما نحو الشرف والرفعة، حتى إذا لم يعد في الطاقة مكان، استسلم المرء للواقع المرير، وفي القلب الكسير حسرة على الماضي القوي، والشباب الصبي، فذلك قول شيخ العرب، وقد ذوى عوده، وانطوى ظله: