والشاعر في هذه الأبيات يرسل القول من أعماق فؤاده ممتزجا بدمائه. ويقول له إنكم لم تصبروا على حكم الإنجليز ولم تطيقوا بقائهم في بلادكم بل قمتم عليهم وأجليتموهم عن دياركم وطاردتموهم حتى خلت منهم أقطاركم ونلتم حريتكم واستقلالكم. ثم أخذ يسأله قائلا: هل كنت تمدح الإنجليز وتتغنى بفضائلهم يوم كانوا مرابطين في ثغوركم؟ هل كنت تمدحهم يوم قام واشنجتون يدعو إلى كفاحهم وجهادهم؟ يوم أن كانوا قذى في عين نيويورك وغصة في حلقها؟ لا شك في أن روزفلت لا يجيب عن هذا السؤال لأنه لم يرد خدمة الحق؛ بل أباح له ضميره الميت أن يحكم على شعب مجيد بالذل والهوان في سبيل منفعته الخاصة.
لقد دعى الجل إلى الخطابة في الجامعة المصرية فألقى خطبة طويلة ردد فيها آراء المحتلين في عدم صلاحية المصريين للحكم الدستوري والاستقلال ومما جاء فيها قوله (. . . فإنك لا تجعل الإنسان متربيا ومتعلما تعلما حقيقيا بمجرد إعطائه دروسا معينة، وكذلك لا تجعل أمة صالحة لأن تحكم نفسها بنفسها بمجرد إعطائها دستورا على الورق؛ بل تربية الفرد وتعليمه حتى يصير صالحا للعمل في العالم تستغرقان أعواما طويلة. وهكذا تربية الأمة وإعدادها حتى تنجح في قضاء واجبات الحكومة الذاتية لا يتمان في عشر سنوات أو عشرين بل يلزم لهما أجيال متعاقبة.) ثم قال (. . . فإن بعض الدجالين الجهلاء يزعمون أن مجرد إعطاء دستور على الورق ولا سيما إذا جعلت له مقدمة ترن ألفاظها في الآذان يجعل الأمة قادرة على الحكم الذاتي. وليس الأمر كذلك أبدا. . . الخ)
ظن روزفلت أنه قادر بمثل هذه الأقوال على القضاء على الروح الوطني عند المصريين وإخماد أنفاسهم وتدمير عزائمهم فيقبلون حياة العبودية والاحتلال راضين مطمئنين. ولكن خيب الله ظنه وأخزاه فلم يفلح في ما سعى إليه بل باء بفشل عظيم. ولم يكن الشعب المصري من الغفلة والسذاجة بحيث ظن، بل كان يقضا حساسا. وعلى هذا فإن خطبة روزفلت أثارت حفيظة المصريين أجمعين وأشعلت في قلوبهم نيران الحقد والبغض للمستعمرين وأنصارهم. فكأن الرئيس الأمريكي والحالة هذه قد أساء إلى المحتلين وأثار في وجوههم زوبعة عنيفة. أنظر إلى ما قالته صحيفة الأهرام في عدد ٣١ مارس سنة