١٩١٠ وهو (ما خطر لنا في خاطر أن المستر روزفلت يمر بهذه البلاد مرور العاصفة تترك وراءها دورا كبيرا، أو مرور الصاعقة تهز أعصاب البلاد هزا عنيفا. بل لم يخطر لنا بخاطر أن تكون زيارته مثارا يثير كوامن الأقلام ومحظأ تحرك به نيران الأحقاد فنسمع بعد رحيله عنا من فرقنا كلاما طالما أنكره العقلاء وتبرأ منه ومن إثارة زوابعه الفهماء. ولكن أبى روزفلت إلا أن يقول كلمة هاجت من الناس شجونا وحركت سكونا وأبرزت كامنا. . . الخ) فمن هذه الفقرة تدرك مقدار ما أثارته خطبته من آثار سيئة في النفوس.
وقد شمر الكتاب والخطباء والشعراء للرد على الرئيس الأمريكي فامتلأت الصحف بالمقالات الطويلة في هذا الموضوع، والظاهر أن الكتاب وجدوا فرصة للدعوة إلى الحكم الدستوري فكتبوا وأطنبوا شارحين الخطأ العظيم والضلال الكبير الذي وقع فيه روزفلت عامدا متعمدا. وهكذا ارتدت سهام المستعمرين إلى نحورهم وثبت المصريون على حقهم بل ازدادوا قوة وحماسة في المطالبة بالحكم الدستوري والاستقلال.
ولو عقل المستعمرون لما قاوموا هذه الرغبة ولما وقفوا في وجه تلك النهضة؛ ولكن شهوة الاستعمار أعمتهم وأضلتهم عن سواء السبيل. وكيف يعقل أن يسكت الشعب المصري على الذل والهوان في الوقت الذي تمتع فيه الترك وأمم البلقان بالحرية والدستور وهم أقل من المصريين ثقافة وحضارة؟ لقد أشتد تطلع المصريين إلى الدستور منذ اليوم الذي ظفر الأتراك به. قلنا إن الشعراء ساهموا في الحملة على روزفلت. فمن ذلك قول أحمد نسيم
سدد سهامك عند كل خطاب ... لست الذي ترجى ليوم مصاب
أمبشر يهدي العباد لدينه ... أم ضيفن مذق اللسان محابي
برح الخفاء وبان روزفلت لنا ... من أبغض الأعداء لا الأحباب
برح الخفاء فلا تكونوا أمة ... تدع الدخيل يعضها بالناب
أياكموا أن تركنوا لزخارف ... تثنيكم عن مجلس النواب
أني أرى الدستور يخطر بينكم ... لا تتركوه فإنه بالباب