كان رحمه الله نسيج وجده منفردا بمدرسته.
. . . ولقد اشتدت عليه وطأة المرض حتى طواه الردى في فجر يوم ٩ أكتوبر سنة ١٩٣٤ ولما يتجاوز الخامسة والعشرين بعد.
كان أبو القاسم - رحمه الله - شاعر طبع رقيق، وعاطفة متقدة، وإحساس نبيل، أذاقه المرض من ويلات الحياة الكثير، وقد ظهر أثر ذلك في شعره جليا فكنت تحس فيه الألم العميق العبقري، والشكوى المريرة التي قنعها بقناع جميل من خياله الفسيح، فسمى قصائده: قلب الأم، وألحاني السكري، والجنة الضائعة. . . الخ وغير ذلك مما يدفع القارئ أن يظن لأول وهلة أنه إنما كتبها وصفا لغيره، وما هو في الحقيقة إلا وصف عميق لأغوار نفسه الكبيرة.
ولأبي القاسم أكثر من ناحية في شعره فهو تارة فيلسوف ساخر، وأخرى ثائر جبار، وثالثة يائس مستسلم، كل ذلك يعبر عنه في همس شاعري رقيق، وأداء نفسي جذاب، وتصوير فني ممتاز؛ فأبو القاسم الفيلسوف الساخر الذي يقول:
لست يا أمي أبكيك المجد أو لجاه
سلبته مني الدنيا، وبزتني رداه
فأنا أحتقر المجد وأوهام الحياه
هو نفسه أبو القاسم الثائر الجبار الذي يقول في (نشيد الجبار)
سأعيش رغم الداء والأعداء ... كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس الكئيبة هازئا ... بالسحب والأمطار والأنواء
وأقول للجمع الذين تجشموا ... هدمي وودوا لو يخر بنائي
ورأوا على الأشواك ظلي هامدا ... فتوهموا أني قضيت زماني:
إن المعاول لا تهد مناكبي ... والنار لا تأتي على الأعضاء
وهو نفسه أبو القاسم اليائس المستسلم الذي يقول في قصيدته (في ظل وادي الموت).
قد رتعنا مع الحياة طويلا ... وشدونا مع الطيور سنينا
وعدونا مع الليالي حفاة ... في شعاب الزمان حتى دمينا
وأكلنا التراب حتى مللنا ... وشربنا الدموع حتى روينا