الشعب البريطاني بعد أن شيعه الرجال باللعنات وودعته النساء بالبصقات. . ومات - وهو الإنجليزي - فوق أرض يونانية! وصمد الأخير في وجه هذا السخط لأنه كان أقدر القادرين على الصمود. . ومات - وهو الايرلندي - فوق أرض إنجليزية!!
ومن العجيب أن يفقد (بايرون) عطف الشعب الإنجليزي واحترامه ويخرج من بلاده وهو منبوذ طريد، وأن يحظى (شو) باحترام هذا الشعب ويعيش بين أبنائه وهو مرهوب الجانب مرفوع المقام. . ويبطل العجب حين تفسر هذه الظاهرة على هدى هذه الحقيقة النفسية؛ الحقيقة التي تقول لك على لسان (سلم الخاسر) في بيت واحد من الشعر كأنما كان يعني (بايرون) بشطره الأول ويقصد (شو) بشطره الأخير:
من راقب الناس مات غما. . وفاز باللذة الجسور!!
هذه هي اللافتات المضيئة في حياة (شو): لافتة العقل الساخر، ولافتة القلب الشاعر، ولافتة الكبرياء النفسية. وتبقى بعد ذلك هذه اللافتة الأخيرة، لافتة الفكر في الكاتب المفكر أو لافتة الفن في الكاتب الفنان.
هل هو فيلسوف حقا كما يذهب إلى خلع هذه التسمية عليه كثير من الكتاب؟ إن لبرناردشو آراءه القيمة وأفكاره الناضجة بلا جدال، له هذه الآراء والأفكار في محيط السياسة والمجتمع والاقتصاد والأخلاق، وطالما تعرض له هذه الشؤون المعقدة في عصره بالنقد والتعليق والتوجيه، يصبها في أسلوبه الساخر اللاذع الهدام الذي يحاول أن يقيم بناءه الخاص على ركام الأنقاض. . . ومن هنا يتحدث الكتاب عن فلسفته السياسية والاقتصادية والخلقية والاجتماعية إلى آخر ما يضيفون إليه من فلسفات!
أما أن (شو) كان مصلحا اجتماعيا فأمر لا يجادل فيه ولا يختلف عليه، فهو من هذه الناحية صاحب رسالة يؤديها على الوجه الأكمل ويقف في سبيل الذود عنها موقف كل مؤمن راسخ العقيدة برسالته قوى الإيمان. ولك أن تعده في الطليعة من أصحاب الرأي في عصره، حين يكون للرأي قيمته في عرض ما يزخر به العصر من ألوان المشكلات. كل هذا حق يعترف به المنصفون حين يضعون الرجل في كفة المواهب الفكرية والإنسانية؛ ولكنه على مدار هذا كله كاتب مفكر وليس بفيلسوف. . إن كل فيلسوف يجب أن يسلك في عداد المفكرين وليس من الحتم أن يسلك كل مفكر في عداد الفلاسفة! هذا إذا حددنا الفلسفة