للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحد مشوهي الحرب ليهمس في أذنه: سيدي، هل تتصدق على رجل (فقد) ساقيه؟ وينظر إليه الكاتب (المرح) متظاهرا بالدهشة وهو يقول: عجيب كيف لم تعلن في الصحف عن هذه الأشياء المفقودة؟. ويغرق هو في الضحك ويغرق معه أصحابه، ويبتسم الرجل معجبا بالدعابة ثم يمد يده ليأخذ من مارك توين نفحة مالية كأجر للإعلان أما النادرة الثانية فتصور لنا برناردشو في أحد مسارح لندن، يرقب من مقصورته عرض إحدى مسرحياته الناجحة، ويصغي في ختام العرض إلى هتاف بعض أبناء وطنه: تحيا أيرلندة. . وحين يتناهى إلى سمعه هتاف آخر ينطلق من بعض الحناجر الإنجليزية: تحيا جهنم. . يقف الكاتب (الساخر) ليعقب على الأصوات المتنافرة بقوله: أيها السادة، لا يسعني إلا أن أحيي الفريقين، لأن كليهما يهتف لوطنه. . ويذهل الخصوملأنالصفعة القاسية قد وقعت على غير ترقب وانتظار.

أرأيت إلى الفارق بين المداعبة البريئة وبين السخرية اللاذعة؟ إن مارك توين هناك يريد أن يداعب وأن يضحك وان يمزح، ولكن برناردشو هنا يريد أن يغمز وأن يلمز وأن يجرح وهي بعد ذلك سخرية موشحه بالترفع ملفعة بالكبرياء. ومن مظاهر الكبرياء في حياة (شو) أن يهاجم التقاليد الإنجليزية في كل مناسبة تدعوه إلى الهجوم، وسخر من المثل الإنجليزية في كل فرصة تهيئ له أسباب السخرية، في الوقت الذي كانت فيه أيرلندة وطنه الأول، تئن تحت ضغط الاستعمار البريطاني. . ثم لا يقف بكبريائه عند هذا الحد المقبول ولكنه يندفع بها إلى ما وراء المعقول فيمتدح الشيوعية الروسية وينعت قطبها الأكبر (ستالين). . بأنه خير الناس ترى هل كان (شو) يؤمن بهذا الذي يجهر به أم أن سخطه على الرأسمالية عامة وعلى الشعب البريطاني خاصة هو الذي كان ينطقه بغير ما يعتقد ويظهره بغير ما يريد؟ الحق أنه السخط من جهة والإيمان بالرأي من جهة أخرى. . وليس هناك شيء من العجب إذا ما أحدثت كلمات (شو) في نفوس البريطانيين أثرها العميق، لأن هذا الكاتب الساخر يخفض من كل ما لهم في الحياة من مثل ويرفع من كل ما لهم في الحياة من خصوم، ويبعث التاريخ من مرقده حين يعيد إلى أذهانهم قصة قديمة، قصة (بايرون) شاعرهم الطريد، يوم أن خلد عدو الإمبراطورية في عدد من قصائده المحلقة في (تشايد هارولد) لقد أعجب بايرون بنابليون وأعجب شو بستالين، وفر الأول من سخط

<<  <  ج:
ص:  >  >>